تحقيقاتصحيفة البعث

المرأة الريفية.. صانعة للحياة والأمل وتضحيات تستحق التكريم

لا تعلم أم علي البالغة من العمر 70 عاماً أن هناك يوماً عالمياً للمرأة يحتفل به العالم، ويخصّون أعمالها وإنجازاتها ببرنامج حواري يسلّط الضوء على مسيرتها: “قضيت عمري بالأرض ولمّ الحطب وماحدا قلي عن هيك يوم.. بعرف عيد الأم بس”، ربما الكثير من النساء، ولاسيما في الأرياف البعيدة، لا يعلمن بمثل هذا اليوم، وكيف لهن أن يعرفن به وهن اللواتي قضين حياتهن في تربية الأولاد غير مدركات لما يوجد خارج حدود قراهن.
سيدات الريف
نساء لم يزين جيدهن الألماس ومعاصمهن الذهب، يدركن أن واجب المرأة هو صون حرمة بيتها وتربية الأبناء تربية صالحة ورعاية زوجها، وهي واجبات لا ينتظرن الثناء مقابلاً لها، وهن في الوقت نفسه أمهات وزوجات شهداء صارعن الحياة خلال السنوات العشر الماضية وقدمن أبناءهن كرمى عيون الوطن، وخضن حرب تشرين التحريرية وقدّمن أزواجهن وإخوتهن قرابين للنصر، هذه الشريحة هي نفسها التي يمرّ عليها عيد المرأة دون أن يلمس رأسها أو يربت على كتفها أحد، فهن قابعات في الأرياف، تدهشهن أضواء المدن ويضِعنَ في زحمتها ويدركن أن موطنهن الصغير هو القرية فقط، وعندما تسألهن عن عيدهن يسارعن مباشرة إلى عيد الأم غير عارفات بما يُسمّى عيد المرأة العالمي.
فأم عيسى المرأة التي تجاوز عمرها الثمانين عاماً، عبّرت بكل طيبة وبساطة عن حبها لأبنائها وكيف قضت عمرها في العمل، سواء في الحقل أو تربية الأبقار، إضافة لجمع الحطب وتتحسّر فقط على كونها أمية، لكنها ترفع طبقة صوتها وتفخر عندما تقول: “ابني أحمد الله يرحمو ضابط شهيد، وعندي ابني التاني الكبير دكتور، وبنتي صيدلانية، وبنتي التانية آنسة مدرسة”، تشعرك هذه المرأة أن ما لم تحقّقه من تحصيل علمي جناه أبناؤها، وفرحتها بهم -كما قالت- كبيرة وهذا هو العيد بالنسبة لها، وتعلم أن هناك عيداً للأم يلتفّ فيه الأولاد حولها، أما عيد المرأة فهي لا تعلم عنه شيئاً. أما أم منيف المرأة الأمية أيضاً وأم بديع فهن نساء أيضاً يعشن في الريف، قضين حياتهن إلى جانب أزواجهن في العمل والكد، وتكتشف ذلك من التجاعيد التي تركت أثراً عميقاً على وجوههن لكنها لم تستطع مسح ملامح جمال المرأة الريفية، كذلك خشونة أياديهن الطاهرة التي قضت عمراً في العجن وصنع الخبز وجني المحاصيل، لكنها خرّجت أطباء ومهندسين ومعلمين إضافة للضباط والجنود، وزرعت تلك الأيادي شهداء طاهرين في أرض سورية، أولئك النسوة لا يعلمن عن عيد المرأة أي معرفة ويكتفين بإدارة شؤون منازلهن بعيداً عن هذه المناسبات.
سيدات المجتمع
مع سهولة التواصل والتعاطي مع النساء في الأرياف وحديثهن الصادق عن حياتهن، وجدنا صعوبة في إجراء اتصال مع سيدات أعمال، إذ طلب البعض منهن موافقة من جهات مسؤولة لأنهن لا يحبذن اللقاء الصحفي. ومع إدراكنا أهمية تجارب تلك النسوة، حاولنا جمع معلومات عن نساء سوريات كانت لهن بصمة في عالم البزنس، فرغم الظروف الصعبة التي مرّت بها البلاد وتناوب الاحتلال بكل أجناسه لا يزال المجتمع السوري يحافظ على موروث احترام المرأة ومنحها حقها بإدارة أموالها وامتلاكها العقار والأرض وحرية التصرف بهما، ومشاركتها كذلك في العمل السياسي وتبوئها مناصب عليا كانت سباقة إليها في سورية عن باقي البلدان. ومشهود لسيدة الأعمال السورية رقيها وفخامة حضورها، وخلال سنين الحرب لم تتخلَ المرأة في المجتمع المخملي عن دورها أو تترك البلد وتهجره، بل استمرت بإدارة أموالها رغم تسجيل البعض منهن خسارة في المعامل والمصانع والأموال، لكنهن تمسكن بالبلد الأم وكنّ داعمات له في الشدائد، كما تركت نساء سورية بصمة واضحة لدى معظم أسر الجرحى والشهداء وقدمن المساعدات وكن داعمات معنوياً ومادياً، لتسجل النساء في هذه المحن مواقف جديرة بالاحترام، ويثبتن أنهن أمهات تطغى الإنسانية ومشاعر الأمومة على سلطة المال. وبحسب الإحصائيات تصنّف سورية في المرتبة الثالثة بين الدول العربية بعد تونس ولبنان من ناحية سيدات الأعمال، لكنها تختلف من حيث التصنيف، فتواجدها مرهون بالجهة التي تنتمي إليها في غرف التجارة والسياحة والصناعة وغيرها، ويبقى العدد الأكبر منهن منتسبات إلى غرفة الصناعة، حيث التحدي الأهم لهن، بعكس ما تشهده تركيا ودول أوروبا، حيث تمارس سيدات الأعمال نشاطهن عبر هيئات ومنظمات معنية.
تجربة من بلدي
لم يمنعها زواجها المبكر وخوضها تجربة الأمومة وهي لاتزال في المرحلة الإعدادية من الوصول إلى رتبة لواء في قوى الأمن الداخلي، لتكون أول امرأة في سورية وصلت إلى هذه الرتبة.
اللواء الطبيبة باسمة الشاطر عضو مجلس الشعب عن مدينة ريف دمشق، تحدثت عن تجربتها لـ”البعث”، وكيف استمرت في الدراسة بعد خطبتها في مرحلة الطفولة وزواجها في الصف الثامن ثم انتسابها للكلية العسكرية للبنات. وقالت: المرأة أساس المجتمع وصانعة الرجال وصانعة ذاتها، ولها مكانتها في المجتمع السوري منذ القدم، وكان لها دور كبير خلال مرحلة الحرب فكانت إلى جانب الرجل ومعه وخلفه، وشاركت كمقاتلة على الجبهات وتبوأت عدة مراتب عسكرية ووصلت إلى رتبة لواء عام 2015 وأثبتت جدارتها بمواقع متقدمة، وتواجدت في عدة مفاصل مهمة بالدولة، إضافة لعملها الأول والمهمّ كمربية أجيال، بعد تقاعدي من وزارة الداخلية وكوني عضو مجلس الشعب نتابع قضايا المواطنين ونساهم في إعداد مشاريع القوانين وتعديلها حسب متطلبات الواقع، هناك مواضيع مهمة وأساسية تخصّ المرأة السورية مثل منح السورية المتزوجة من غير السوري الجنسية لأولادها، وهذا موضوع قيد الدراسة والمعالجة.
والمرأة لم يقتصر دورها النموذجي على بناء المجتمع وتربية أطفالها أو دورها كمعلمة في بناء جيل مثقف أو طبيبة، بل ساهمت في المجال الطبي أيضاً وبمختلف الاختصاصات، وفي هذه الحرب الكونية على سورية رأينا المرأة الإعلامية التي قدمت روحها في سبيل عزة وكرامة سورية، والمرأة المقاتلة كالنساء اللواتي شاركن في فرق القناصة للدفاع عن وطننا الحبيب ومازلن حتى هذه اللحظة. المرأة السورية وصلت إلى أعلى المستويات الوظيفية كالدكتورة بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية في الرئاسة والوزيرة الدكتورة سلوى العبدالله وغيرهن الكثير.
الدور الأكبر
أينما حلّت المرأة السورية وأنّى كان دورها في المجتمع تبقى فخر كل أبنائها، ويبقى للمرأة في الريف البعيدة عن الأضواء والكاميرات الدور الأكبر في استمرار الحياة لأنها الأم والمزارعة والمربية والمساهمة، من حيث لا تدري، في رفع جزء بسيط من اقتصاد الوطن، فلها منا في عيد المرأة كل الحب والتحية.
نجوى عيدة