ثقافةصحيفة البعث

معرض تحية للتشكيلي بسام جبيلي

تعتبر مجموعة “التشكيليين الحماصنة” حجر الزاوية في المنتج التشكيلي السوري لما تتمتع هذه الكوكبة من تنوع في اتجاهات فنانيها وفي القيمة الفنية التي يعود الفضل لرائدها صبحي شعيب وللفنان الراحل أحمد دراق السباعي وبرفقته كلا من عبد الظاهر مراد ومصطفى بستنجي، هذا الجيل من الفنانين أثر تأثيراً كبيراً في الحياة التشكيلية والثقافية في حمص إلى جانب عدد كبير من الكتاب والشعراء والمثقفين وتوفر عدد من دور الثقافة الأهلية التي لعبت الدور الهام في تعزيز الثقافة ونمو الوعي حتى أضحى من الصعب التفريق في الدرجة بين مركز المحافظة وريفيها الشرقي والغربي على السواء، هذا المناخ المنفتح على الأدب والفن والموسيقى أثمر عن علامات إبداعية في تاريخ الثقافة أنتجت حالة منافسة ومتقدمة على باقي المناطق السورية من جهة التنظيم والإدارة.

الراحل بسام جبيلي –أيلول 2020 ناله نصيب من وفاء أهله وأصدقائه له حين أقاموا معرض تحية له في صالة مصطفى علي بدمشق وقد رافق المعرض ندوة نقدية تعريفية وعروضاً لبعض الأفلام الوثائقية والتسجيلية عن هذا الفنان المحبوب بإجماع مجايليه على صفاته الدمثة وشخصه الودود. هذه التجربة الموزعة بين النحت والتصوير الزيتي وأعمال “الفيديو آرت” وتقديم عروض خاصة عن كيفية تأليف المشهد البصري بروحية تمتزج مع الموسيقى في محاولة كبيرة للدخول إلى عالم من المجردات اللونية والخطية المتماوجة مع الموسيقى، هذا التنوع أكسب تجربة الفنان خصوصية الباحث والمجرب، حتى أن لتجربته في الرسم خصوصية أخرى من التأليف والمزج بين النحت والتصوير ويتمظهر واضحاً من خلال الكتل والخطوط التي يرتسم منها أشكال ومفردات العمل كالهيولى السابحة في موسيقاها الروحية، وقد اعترف بتأثره في رسومات الفيوم القديمة التي تعود للفترة البيزنطية في مصر.

إن لم يكن الراحل جبيلي من فناني الصف الأول الحماصنة فهو أحد شخصيات حمص التشكيلية التي أنتجت ما هو مختلف ويضيف، حتى أضحت لوحته تدل على اسم صاحبها لاقترانها بروحية صانعها وسلوكه، ربما يقول البعض عن تأثر الفنان بتجارب الآخرين أمثال أدهم اسماعيل في جانب صياغة اللوحة التي تعتمد الخط وتقاطعاته المنتجة للتشريح في الجسد أو في حالة تداعي الأرابيسك في مشغولاته الفنية إلا أن الأهم من ذلك أن لوحة نهاية السبعينيات لم تكن لتنتشر على مساحة كبيرة من التلقي لولا الصحافة وفن رسم الموتيف الذي لم ينج منه الفنان، حيث نتلمس روح الموتيف والخطاب الأدبي جلياً في لوحته وإن كانت العناية اللونية وافرة إلا أن منطق الخطاب البصري لن يكون إلا بدرجة أعلى قليلاً من الموتيف الملون.

تجربة بسام جبيلي الواسعة والتي لم تكتمل وتجعل من حضورها أمراً حاداً وفادحاً مثل بقية التجارب السورية الطليعية قد يعود إلى جانب موضوعي ألا وهو جذرية هذه التجارب واحتكاكها مع غيرها كمنتج ندي يحمل قضية ويملي أسئلة لا أجوبة لها وتجعل من متلقيها جزءاً من موقف مشاكس في وجه الحياة متقصداً جعلها أكثر عدالة وجمال.

أكسم طلاع