دراساتصحيفة البعث

خمسون عاماً من الاستعداد للقاء بوتين

علي اليوسف

ارتفع منسوب التصريحات من الجانبين الأمريكي والروسي قبل انعقاد القمة بين الرئيسين فلاديمير بوتين وجو بايدن في جنيف 16 الشهر الجاري، وهذه التصريحات قد تبدو في ظاهرها نوعاً من التصريحات الروتينية التي تطلقها عادة القوى الكبرى لتحديد توجهاتها المستقبلية، أما في باطنها فهي تحمل رسائل مباشرة للطرف الآخر ترسم ملامح التفاوض والخطوط الحمراء غير المرغوب بتجاوزها.

فقد أكد نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر غروشكو في ختام أعمال الاجتماع الأخير لمنتدى “قراءات بريماكوف” العلمي أن العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي وصلت إلى نقطة الصفر، وأن هذا الوضع لا يخدم مصالح أوروبا نفسها، لأن العلاقات الروسية- الأوروبية أصبحت رهينة للقرارات السياسية التي يتخذها الاتحاد الأوروبي، وخاصة فيما يتعلق بجزيرة القرم، وأكرانيا. وفي المقابل، أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في جلسة استماع بمجلس الشيوخ، أنه حتى إذا عادت إيران إلى تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني، فإن مئات العقوبات ضدها ستظل سارية المفعول. وسبقه في هذا التصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه بأن واشنطن لا تخطط لرفع العقوبات عن إيران لإعادتها إلى طاولة المفاوضات حول خطة العمل الشاملة المشتركة.

ثم صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في منتدى “قراءات بريماكوف” العلمي أنه “في كل مرة نؤكد على عدم قانونية وعدم شرعية الوجود الأمريكي على الأراضي السورية، خاصة وأن هذا الوجود مصحوب بنهب الثروات الطبيعية للجمهورية العربية السورية، فهم يصدرون إنتاج الحقول النفطية والأراضي الزراعية، ويدعمون بعائداتها الانفصاليين. وكما هو جلي ومعلوم للجميع، فإن النزعات الانفصالية على الضفة الشرقية لنهر الفرات، واللعب بمشكلة خطيرة جداً مثل مشكلة ميليشيات “قسد” يمكن أن تنتهي بشكل سيئ”.

وعاد ليؤكد أن موسكو لا تعلق أوهاماً أو توقعات مبالغ فيها على القمة الروسية الأمريكية المرتقبة وإمكانية تحقيق اختراقات كبيرة خلالها. وقال: إن أي حوار بين قادة أكبر دولتين نوويتين في العالم مهم للأمن الدولي بكل الأحوال، لأن روسيا والولايات المتحدة لديهما مصلحة مشتركة في مجال الاستقرار الاستراتيجي، معبراً عن أمله في أن يتمكن زعيما البلدين من تحديد المسار الصحيح بشأن قضايا الاستقرار الاستراتيجي.

هذه التصريحات وغيرها مجتمعة، جاءت بالتزامن مع إعلان البيت الأبيض عن أول رحلة خارجية للرئيس جو بايدن والتي ستستمر أسبوعاً كاملاً، يلتقي في ختامها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وحتى في هذا الإعلان عن أول رحلة خارجية، فقد تم توجيه رسالة مباشرة إلى روسيا حين قالت جين ساكي السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض في مؤتمر صحفي إنه “بعد عقود في مجلس الشيوخ وثماني سنوات كنائب للرئيس في عهد باراك أوباما.. قام بايدن بواجبه. لقد كان يستعد منذ 50 عاماً”.

وبالنتيجة فإن هذه الرسائل غير المباشرة هي إشارات لضبط إيقاع قمة جنيف، التي ليس لها جدول أعمال متفق عليه بشكل خطي، وما يفهم منها هو أن الجانب الروسي يوحي لـ بايدن بضرورة مراجعة وتصحيح أخطاء الماضي، والتخلي عن أسلوب إجراء حوار فقط من منطلق ادعاء الهيمنة على الشؤون العالمية، وأن موسكو ليست لديها طموحات قوة عظمى ولا رغبة في نشر أجندتها في جميع أنحاء الكوكب. في المقابل نجد أن رسائل أمريكا وتحديداً عبارة “كان يستعد خلال الـ 50 عاماً” توحي بأن الرجل يملك من المعرفة والقدرة مالا يمكن لأي أحد معرفة ما يخبؤه لمن انتظره خمسون عاماً.