مجلة البعث الأسبوعية

ريم السبيعي: التوجه إلى منصات التواصل الاجتماعي لمخاطبة أطفال سورية

البعث الأسبوعية- جُمان بركات

الكتابة للطفل شغف وتعلّق ورغبة في ولوج أراضٍ من خيالٍ وسحر، وكاتبتنا الشابة ريم السبيعي أتقنت كثيراً ليّ عنق الخيال وتطويعه للإتيان بما لذّ وطاب من أفكار تشبه حلوى السكر المنفوشة، فالكتابة للطفل مغامرة محفوفة المخاطر لأنها تتعلق بمسؤولية كبيرة وخطيرة، ألا وهي تقديم التربية والتعليم والترفيه للطفل بقالب واحد من الحكاية، وما أصعب تبسيط المفاهيم الكبرى للأطفال بلغة تناسب ذائقتهم وخيالهم. ومن باب تسليط الضوء على المواهب الشابة كان لـ”البعث الأسبوعية” هذا الحوار مع الكاتبة الشابة ريم السبيعي.

ملائكة الإبداع

عن بداياتها في الكتابة للأطفال وكيفية دخول هذا العالم قالت ريم: كان دخولي عالم الأدب عموماً وأدب الأطفال بشكل خاص دعوة ألقتها في دربي ملائكة الحروف من فوق سماء الأدب والخيال، فأنا لم أمشِ لدرب الكتابة بهدى وضوء، بل كانت كتب القراءة التي رافقت مرحلة التعليم الدراسي هي آخر ما قرأت في تلك المرحلة.

وأضافت ريم: كباقي شباب وشابات هذا البلد العتيق بالعراقة، وفي أوج الأزمات التي صدّعت رأسه، طمحت وأنا في الثامنة عشرة من العمر أن أحجز لنفسي مقعداً في قطار النجاح دون معرفة بطريقه المقصود، فقصدت أول فرصة عمل تمّ قبولي بها دون ترتيب أو تخطيط، لتكون دار نشر خاصّة في دمشق، وليُطلب مني نموذج أدبي للأطفال، وعلى عكس مقولة الكاتب البريطاني والد دال: “الكتابة للأطفال هي أصعب النماذج الأدبية للكتابة”. ولم أجد حينها صعوبة في نسج أول حكاية للأطفال، فالأطفال هم أصدقائي وفي داخلي طفلة تأبى أن تكبر، وهناك رمقتني ملائكة الإبداع ورفعت بحروفي وكلماتي لسماء الأدب، وأنا منذ البداية وحتى اليوم وكما تعكس مرآة لغتي العفوية أمامكم، طفلة لا تكبر.

باكورة الجنون

وعن أهم المحطات في تجربة ريم السبيعي والداعمين لها، قالت: يوضح الواقع أنّ السابق مآل اللاحق، فبعد رحلتي الأولى في الكتابة لتلك الدار، بدأ قلمي كطفل مشاغب يتدرّج لزوايا المكان يكتشف ما فيه، فقد تقصدت يوماً كتابة قصة “مجنونة” لا يألفها أدب الأطفال السوري، أستحدث فيها شخصيات غير تقليدية، توجهت لمجلة أسامة العريقة والتقيت بعرّاب أدباء سورية الشباب رئيس تحرير المجلة الشاعر قحطان بيرقدار، لأخبره برغبتي في الكتابة للمجلة، وشعرت بطمأنينة يومها أنّ هذا المكان هو بذرة الحلم وملاذ أدب الأطفال السوري الآمن، واخترت لحكاية “سكّورة وملوح” أن تكون باكورة الجنون، فصنعت من أدوات المطبخ غذاءً أدبياً وأخلاقياً لأصدقائي الأطفال.

تتابع ريم: كان صدى القصة الأولى في المجلة مرضياً لجنوني، لكنّ صدى الحلم في داخلي لم يتلقاه سمعي، حيث بدأت مسؤولية الكتابة للأطفال وما تحمله من أحلام وكوابيس، وما يعكسه واقع أدب الأطفال في بلدنا من طموحات وصعوبات، تنادي في رأسي صوتاً يطلب من تلك الكاتبة الشابة الطفلة أن تكبر.

طفلة لا تكبر

بالتأكيد لكل كاتب مصادر إلهام في قصصه، وعن منابعها تحدثت ريم: سبق أن ذكرت أني طفلة لا تعرف كيف تكبر، فأنا ما زلت أسرح في فكري مع أول طائر باشق أراه في سماء بلدي، وأرحب بالقطط في الشوارع كأنها معارفي، وأنبهر بعزة جبل قاسيون كلما رأيته، وأسأل حارات دمشق القديمة أن تحكي لي قصصها العتيقة، وأشتمّ الياسمين بشغف وأبوح بأسراري الطفولية لأمواج البحر في اللاذقية وطرطوس، فأنا كائنة بشرية متفاعلة بحيوية كبيرة مع الطبيعة من حولي، أكسر بيننا حاجز الاختلاف البيولوجي وأسمع وأرى فيها صوتاً وصوراً للإلهام والعبر والحكم أحاول نسجها في حكاياتي للأطفال، ولنفسي أيضاً.

آمال وأحلام

وقدّمت ريم السبيعي رأيها عن واقع أدب الطفل في سورية ماله وما عليه من أحلام وتطلعات ورؤى فيه حيث قالت: لا يمكن لأدب صعد للسماء أن يخرّ منها مهما عكس الواقع لنا متاهات وأودية، فالأدب الذي فتح صفحاته أدباء رائدون أمثال سليمان العيسى وغيره ممن كبرنا نقرأ في أعمالهم الحكمة والأحلام، لا يحقّ له أن يفقد أصالته.

وأضافتك كذلك وجود أساتذة في هذا الزمن يزرعون أملاً في بستان أدب الأطفال يستحيل أن يضيّع الله جهودهم، لكنّها تراكم أخطاء تؤخر نجاح أدب الأطفال لدينا، كالتقليدية المملة في العمل، وما تفرضه من قيود وقوالب يلزم بها البعض كاتب الأطفال أن يسيّج أعماله بها، ‌وعدم المجازفة في قبول أعمال تحكي طرحاً متجدّداً في مناقشة مشكلات واقعيّة بلغة طفل اليوم، أعمال كهذه قد ترفض خوفاً من أن تتشوّه صورة المثالية في أدب الأطفال، وأنا أراها على العكس: تؤخّر من نجاحنا، فما لا يناقش الواقع لا مكان له في المستقبل.

واستدركت ريم: كذلك مشكلة أتردّد في ذكرها، لكنّها لا تخفي وجودها في كل مكان حول العالم، وهي استغلال الأدب والفن “للتجارة بهما” وهذا ما رأيته بأم عيني: استغلال أدب الأطفال في سورية كسلعة تجارية من قبل بعض أرباب دور النشر الذين لا أدري ما مصلحة وزارة الثقافة والعاملين فيها في ترك مساحة الاستغلال لهؤلاء مفتوحة؟.

الملائكة الأطفال

وعن المشاريع المستقبلية والمخطط للتطوير والسير قدماً في هذه الدرب قالت السبيعي: يحملني هذا المحور للحلم، -والحلم وليد الواقع- أن نتوجّه بأعمالنا تحت مظلّة وزارتي الثقافة والإعلام إلى منصات التواصل الاجتماعي لنخاطب أطفال سورية، ولو اضطررنا لقلة الأدوات المتاحة ربما في أن نسرد عليهم القصص سرداً مسجلاً بأصواتنا وظهورنا المباشر ليشعر الطفل السوري باهتمام وليسهل علينا التوجّه إلى ملائكة البلد الصغار.

وتابعت: حلم آخر أتعهد له أن يتحقق ما إن أُخذ بعين الانفتاحية، هو السماح لنا كأدباء شباب في كسر بعض القيود والروتين والقوالب التي تفرضها بعض الجهات الرسمية والتي لا نفع لها سوى أنها ما اعتاد أن يسير عليه العمل في هذا المجال، فذلك -شخصياً أنا- تمثل لي عدم الانفتاحية والحوار عائقاً يمكنه أن يدفعني لترك هذا المجال “وصداع الرأس” الذي قد يخلّفه لنا هؤلاء “التقليديون”.

طائر السنونو

وفي كلمة أخيرة ختمت الكاتبة ريم السبيعي الحوار بأمنية أو يمكن تسميتها همسة للطفولة وأدبها في سورية إذ قالت: في النهاية لا أدّعي أنّ للحكاية خاتمة، تجربتي في حقل أدب الأطفال كشجرة بدأ جذعها في النمو تواً ولا تشكّل حقلاً بوحدتها على الأرض، ووجودي في سماء أدب الأطفال كطائر السنونو يجرؤ أن يزاحم الطيور الجارحة لكنّه يخاف أن يضيع عن السرب، فنجاح أدب الأطفال في سورية مسؤولية أتمنى أن تأخذ جدية واهتمام أكبر وأكثر جرأة في المناقشة ووضع الخطط والجديّة في تنفيذها، فهناك بوصلة نجاح جماعي يجب الاعتراف بها، والسير بأدب الأطفال وفق مؤشراتها.