مجلة البعث الأسبوعية

قطرة.. من عسل الأمنيات

البعث الأسبوعية-رامز حاج حسين

قطرة العسل الملقية أمام طرف نافذة أحد بيوتنا السورية المشرعة أبوابها للشمس والنسمات كافية باجتذاب طوابير من جيراننا النمل الصغير من ثقب جدار المنزل وأسراب من النحل والفراش القادم من الحقل المجاور، كما أن هذه القطرة ستكون أيضاً مثار اهتمام جنس آخر من الحشرات غير المرغوب فيها كالذباب والناموس والبرغش، هذه المقدمة ليست لقصة متخيلة أو بدء تشكيل حكاية للأطفال، هي مشهد تكرر في طفولتنا كثيراً من المرات وكنا نمر أمام هذه المشاهد مرور المندهش المتفحص ونحاول بقدر أفكارنا أن نستمتع بمشاهدة ما يحدث لقطرة العسل المغرية لكل هذه الجموع، فكرة الكتابة للطفل تشبه قطرة العسل أثرها وفاعليتها في ذهنية الطفل تجعل منها كقطرة العسل السابقة مغرية لكل أنماط الكتاب والمشتغلين بأدب الطفل وثقافته، فهناك من يقوم مقام النحل يأخذ منها حلاوتها ورونقها ليعيد إنتاج قطرات جديدة من الشهد ويصنع للأطفال مذاقاً رائعاً مع قيمة غذائية عالية للروح، وهناك من يقوم مقام الذباب فيدس فيها كل أنواع السموم والآفات، بعد أن يستلهم منها الحلاوة والطعم الجميل، لتصبح سقيمة ومسمومة وكفيلة بتلويث أفكار الطفل المتلقي.

هل واقع قصة الأطفال في سورية بخير؟

السؤال بسيط ويحتمل إجابة بنعم أو لا، ولكن الأمر أعقد من هاتين الإجابتين البسيطتين، فواقع ثقافة الطفل ليس على خير ما يرام، ولكن للإجابة القاسية تابع بأن نقول ولكنه يمكن وبكل سهولة أن يكون بخير بل وبأفضل حال من الأحوال، حين ندرك مكامن الخلل والضعف وتجاوزها ومعالجتها ومن ثم البحث عن المواهب ومكامن القوة وتبنيها والعناية بها ليكون النهج القويم لبناء الثقافة الطفلية بخير.

تجربة الأخوين غريم الملهمة يمكن أن تكون نبراس هداية ونهج لبناء قاعدة متينة ينطلق منها بناء الحكاية الطفلية السورية من أبسط المقومات وبعيداً عن التنظير لبناء أكاديمية ومعاهد لتعليم هذا الفن يكفي فقط أن  نستلهم من كل قرية حكاية ومن كل مدينة قصة ومن تجمع الجدات سيل من المعاني والمفردات والأمثال التي صاغتها الذائقة السورية البكر على شكل حكايات.

فالأخوين يعقوب وفيلهلم غريم كانا أكاديميين ولغويين وباحثين في الثقافة الألمانية والإسكندنافية، سحرتهما فكرة الحكاية فراحا يجمعان الحكايات والأساطيير الشعبية الألمانية وتبسيطها بأسلوب سهل الفهم لذائقة جميع الشرائح فكانت لنا من نظمهما هذا العديد من الحكايات التي باتت من أساطير العالم أجمع مثل ساندريلا والأمير الضفدع وهانسل وغريتل وبياض الثلج والأقزام السبعة ورابونزل وذات الرداء الأحمر والعديد من العناوين الأخرى التي تكفي لتدرك معي أنهم كانوا رواد العالم في جمع الحكايات المشهورة ضمن وعاء واحد وتقديمه بهذه الطريقة المثيرة للدهشة والخيال وليكونا مرجعاً لجميع كتاب الحكاية للأطفال في أنحاء العالم كله.

ارتشاف قطرة العسل يجب أن تكون بطريقة سليمة كما أن يكون المتصدي لاجتثاث الخبث من مفردات أطفالنا كاتب جراح ماهر فقد بات كتاب الطفل وكتبه وقصصه المصورة ومجلاته الورقية ضمن دائرة البحث والتنظير في موجة الهجوم الطاغي لوسائل التقانات الحديثة التي باتت في متناول كل طفل تحمله لعوالم من الإبهار والجذب عالية التأثير- فصار لزاماً على المتصدين للمشهد الثقافي للطفل أدباً وفناً أن يغيروا مفردات تعاطيهم مع الطفل من ناحية اللغة أولاً والارتقاء بها لما يتناسب مع الطفل وهواجسه وتطلعاته في هذا العصر ومن خلال اللوحة والألوان وطرائق الشد المختلفة لذائقته من طباعة جميلة وأنيقة وشكل مميز للكتاب أو المجلة ولابد من المحافظة على روح الحالة الوجدانية بين الطفل والكتاب الورقي وعيننا على التطوير والتحديث بحيث ننقل له أيضاً نسخة من هذا المحتوى من الورق نحو التقانات والطبيقات والتصفح الالكتروني فنحقق بذلك مزجاً مقنعاً له بحيث نشبع رغباته وميوله في الحالتين مع المحافظة على روح الأصالة وأخلاقيات المهنة هنا وهناك على حد سواء نستطيع على سبيل المثال أن نقدم له مع المحتوى الفكري والفني عبر المطبوع الورقي نافذة وإطلالة على موقع تابع للمجلة أو الكتاب بحيث يتفاعل فيه مع أناشيد مغناة وحلقات كرتونية عن أبطال العمل وعدد ما شئت من وسائل جذبه بحيث يصبح في ما بعد تعلقه بأبطال العمل أمر يسمح لنا بتمرير الرسائل التي نريد في المطبوع والمقروء والمرئي مع بعضها البعض… مع النداء للمحافظة على روح الورق علينا أن لا تغفل عيننا على ضرورات التطور ومواكبة التقانات والحداثة لنضمن وجودنا في أيدي الأطفال حيثما ذهبوا في خياراتهم الثقافية.