مجلة البعث الأسبوعية

مراسلو الغرب في أوكرانيا .. خطاب يحمل الكثير من الاستعلاء والكراهية

البعث الأسبوعية- د.معن منيف سليمان

خرجت تصريحات وتعليقات من صحافيين ومذيعين ومتحدّثين ظهروا على شاشات وسائل الإعلام الغربية والأجنبية، تناولوا فيها الحرب الروسية على أوكرانيا، أظهرت تمييزاً عنصرياً وازدواجية في التعامل مع الأزمات مقارنة بالصراعات الأخرى حول العالم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. واستخدم هؤلاء الصحفيين كلمات تخرج في سياقها عن المواثيق الأخلاقية الضابطة للعمل الصحفي حول العالم، وتعكس في مجملها عنصرية فظّة وخطاب فجّ حمل بين سطوره الكثير من الاستعلاء والكراهية كانت محل استهجان نشطاء، وتسببت بموجة غضب كبيرة في العالم.

حاول كثيرون تصوير الأوكرانيين من خلال تغطية الحرب الروسية الأوكرانية أنهم الأقرب لمواطني دول الجوار الأوروبي وليس مثل لاجئي الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا. وبشكل عنصري ومستفز قارن بعض أولئك المتحدّثين بين اللاجئين السوريين والعراقيين وبين نظرائهم الأوكرانيين، مبينين أن الأوروبيين أكثر تحضّراً. فيما عدّ بعضهم أن أوكرانيا أسمى من أن تكون ساحة للصراع كما في سورية والعراق وأفغانستان. تجلّت بشاعتها في العبارات المقيتة الآتية: “لاجئون متحضرون”، و”لاجئون بشعر أشقر وعيون زرقاء”، و”لاجئو أوكرانيا بيض ومسيحيون”، و”ليسوا سوريين، بل أوروبيين يغادرون في سيارات تشبه سياراتنا”، و”ليست دولة نامية بالعالم الثالث، بل أوروبا”.

إن هذه التصريحات التي أدلى بها بعض الغربيين في بيان الفرق بين المجتمعات الشرقية، وبين المجتمع الأوكراني الأوروبي، الذي يحرصون على سلامته ومساعدته في محنته، تدعو إلى إعادة التفكير في كثير من الشعارات التي يطرحها الغرب وخاصة فيما يتعلّق بحقوق الإنسان. ذلك أن المقارنات من قبل بعض السياسيين والإعلاميين الغربيين أظهرت أن المجتمعات الشرقية يصورونها في مقاييسهم أنها متخلفة مفلسة من القيم الحضارية فلا تساوي عندهم شيئاً.

ولا شيء كانت تدعيه دول الغرب أكثر من التلويح بشعارات الحرية، لكن سرعان ما تهاوت هذه الادعاءات خلال تغطية الحرب الروسية الأوكرانية، حيث ظهرت حقيقة ما تعيشه تلك الدول التي تطلق على نفسها “دول مؤسسات الحقوق والقانون”، و”مثال الديمقراطية”، وذلك من خلال ممارساتها الممنهجة والمُنتظمة للتمييز العنصري. لقد أظهرت الأزمة في ‎أوكرانيا الوجه الحقيقي للحضارة الغربية وللشعارات الإنسانية المزيفة التي يخدع بها البلهاء والسذّج.

إن العنصرية الغربية ليست مجرّد تصرفات فردية، وليست مجرّد تصريحات إعلامية، وإنما هي سياسة دول، وتصريحات رؤساء ووزراء ومسؤولين كبار. وهي تعكس العقلية السائدة في المجتمع الغربي تجاه أجزاء من العالم مثل الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوبي آسيا وأمريكا اللاتينية.

فعلى سبيل المثال في بريطانيا، كشفت جائحة كورونا عن بعض أشكال العنصرية، حيث أظهرت دراسة حديثة أن معدلات البطالة والوظائف المفقودة بسبب الجائحة في أوساط الأقليات العرقية من أصحاب البشرة السوداء والآسيويين بلغت ضعف المعدّلات المسجلة للأشخاص من أصحاب البشرة البيضاء.

ويبرز التمييز العنصري ضدّ العرب بشكل أكبر في فرنسا، إذ لا زالت هذه الدولة ترفض بشكل رسمي الاعتراف بالمجموعات العرقية وتصرّ على ضرورة أن يتشرب المهاجرون إليها بالثقافة الفرنسية وهي ممارسة واضحة لعدم الاعتراف بحقوق العرب ما لم يندمجوا بالثقافة الفرنسية، ما جعل خبراء بمجلس أوروبا يعبّرون عن قلقهم من انتشار الخطاب العنصري في فرنسا وتنامي أعمال العنف العنصرية والمعادية للسامية وللعرب.

وكذلك دولة التشيك لا تبدو أحسن حالاً تجاه العرب، فقد أعلن رئيسها أن بلاده لا تستقبل اللاجئين العرب لا سيما القادمين من بلدان شمالي أفريقيا بحجة الفوارق الثقافية. وأما في النمسا فهي أول دولة أوروبية تصرح بشكل علني عن عدم استقبالها للاجئين السوريين، ويسود هذا التوجه أيضاً لدى السياسيين النمساويين دون الاعتبارات الحقوقية التي تعدّ هذا الفعل جزءاً من الفرز العنصري وفقاً للقوانين الدولية.

وفى حين أن اللاجئين العرب الذين ذهبوا لدول أوروبا تعرضوا لهذا الفرز العنصري على الرغم من تجريم القوانين الدولية لهذا الفرز بحسب الدين، فإن سكان أوروبا أنفسهم تعرضوا لأكثر من مجرّد استلاب حقوقهم إلى عمليات السجن والقتل في بعض الحالات، كما حدث في فرنسا بالتزامن مع حادثتي “تشارلي إيبدو” وهجمات باريس في 13 تشرين الثاني 2015.

لقد كشفت الحرب الروسية الأوكرانية المستور، وأبانت كمية العنصرية المقيتة التي يحملها الغرب تجاه شعوب الشرق الأوسط والعرب خاصة، فهذه الشعوب: همجيون متخلفون متطرفون، لا تستحق الحياة ولا العيش بكرامة، وليس لها أية حقوق على هذه الأرض !!

ففي اليمن ومصر وسورية وليبيا والعراق وفلسطين وأفغانستان وبورما ودول أفريقية أخرى انتهكت الإنسانية وحدثت مجازر في تلك البلدان على أيدي العصابات الإرهابية المسلحة ولم ترتقي المواقف الدولية وخاصة الأمريكية والأوربية إلى المستوى الأخلاقي في تعاملها مع قضية حقوق الإنسان في تلك الدول، وإنما وفق مصالحها وأجنداتها السياسية الداعمة لانتهاك حقوق الإنسان تحت شعار حقوق الإنسان.

وفي فلسطين ليس للإنسان الفلسطيني أية حقوق أو كرامة أمام سياسات العدو الصهيوني المحتل، والفلسطيني مباح دمه وعرضه وماله وترتكب الجرائم يومياً ويقتل الأطفال والنساء والرجال في الشوارع لمجرد أنه فلسطيني يعتقد أنه حامل سكين فيتم إطلاق الرصاص الحي لقتله مباشرة، ومع هذا نجد الغياب الكامل لدور تلك الصحافة والتعليقات التي تباكت على الأوكرانيين ولا حتى من قبل الدول والمنظمات الدولية، بل إن تلك الدول والمنظمات تهتم لمشاعر سلطات الاحتلال أكثر من إنسانية الفلسطيني وحقوقه المغتصبة.

وفي سورية انتهكت الإنسانية بكل معانيها وارتكبت كل أنواع المجازر الوحشية بحق الإنسان السوري وبكل أنواع أدوات الجريمة، وكل تلك الجرائم والمجازر كانت ترتكب بسبب دعم وتشجيع الدول المتباكية على حقوق الإنسان في أوكرانيا.

يبدو ببساطة أن العالم بحاجة لوقفة مع الذات ومع أخلاق الأنا والغير في الألفية الثالثة، لأن هذا هو التحدّي الكبير الذي سيواجهه مستقبلاً. التحدّي يكون أساساً في القيم الإنسانية والأخلاقية، وإذا سيطرت ثقافة انعدام الأخلاق وانعدام القيم على علاقات الشعوب والدول فسيكون المصير هو الحروب والصراعات والأزمات.

إن منطق العدالة الإنسانية يقوم أساساً على المفهوم الواضح والنقي للعدالة في المعاملة والمقاييس والمعايير وعدم التمييز والتفرقة بين الشعوب والأعراق والأجناس سواء كانوا من سكان الشمال أو الجنوب أو كانوا ينتمون لدول فقيرة أو غنية.

الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لا قيمة له في نظر الدول الكبرى والمؤسسات الدولية والإعلامية إلا بحدود مقتضيات حاجات أجندتها السياسية والاستعمارية ضد تلك البلدان، فرؤساء الأنظمة التي تدور في فلكها عندهم بمثابة أبطال، لأنهم ينفذون سياسات تلك الدول ويقمعون شعوبهم، هذه هي حقيقة شعارات حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية عملياً بالنسبة لأمريكا وأوروبا.

إن عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ليس سببه السكان، إنما سببه الاعتداءات الأمريكية المتكررة على دولهم بالمدمرات والطائرات الأمريكية مثل أحداث احتلال العراق وتدمير المنشآت في سورية وسرقة الآثار والثروات حيث توجد آثار تعود لآلاف السنين تشهد على قيام حضارات أسهمت في تأسيس الحضارة الإنسانية، مثل الأهرامات وتدمر وبابل وأول مقطوعة موسيقية وأبجدية في العالم بأوغاريت السورية.

إن الحروب والقتل والدمار لن تكون في يوم من الأيام أمراً طبيعياً، ولا يختلف هذا من بلدٍ إلى آخر سواء كانت الدول عربية أو أوروبية، لذلك ينبغي على مراسلي الحرب الأوروبيين وغيرهم بانتقاء المصطلحات والعبارات المناسبة للحديث عن الأزمة الحالية وإجراء المقارنات الدقيقة، والالتزام بأخلاقيات العمل الصحفي والإعلامي.