دراساتصحيفة البعث

ألمانيا تتحمّل المسؤولية الأكبر في أزمة أوكرانيا

عناية ناصر 

لا شكّ أن ألمانيا، أكبر دولة في الناتو بعد الولايات المتحدة، مذنبة في الحرب الحالية في أوروبا، مثلها مثل الولايات المتحدة، لكن على الرغم من امتلاكها لاقتصاد قويّ، إلا أنها تظل مجرد تابع للولايات المتحدة في سياستها الخارجية.

وفيما يتعلق بتوسيع الناتو، فإن قواعد الحلف تتطلّب أن يوافق عليه جميع الأعضاء الحاليين. وهذا يعني، أنه إذا قالت ألمانيا، في وقت ما إن الموافقة لن تمنح على انضمام أعضاء جدد إلى الناتو، فلن يكون بإمكان أي أعضاء جدد الانضمام، أو حتى التفكير في فكرة الانضمام. وكان من الممكن أن يشمل ذلك -ولا يزال- أوكرانيا، التي شُجعت منذ ولاية أوباما الثانية على التفكير بأنها قد تكون يوماً ما تحت حماية الناتو.

إن رغبة أوكرانيا بالتحديد، إلى جانب إصرار الولايات المتحدة على “الحق” الزائف لأوكرانيا في تقرير علاقاتها الدولية الخاصة، هي التي أدّت إلى هذه الأزمة، حيث كان من الممكن لأوكرانيا أن تنتهج سياساتها الخارجية الخاصة، لكن ليس لها “الحق” في الانضمام إلى الناتو، حيث يجب أن توافق الدول الأعضاء في تلك المنظمة على قبول عضو آخر. لذلك من بين جميع الدول الأعضاء في الناتو، يجب أن تقف ألمانيا بحزم وراء الوعد الرسمي بعدم تحريك حدود الناتو إلى القرب من حدود روسيا، بدلاً من أن تستجيب بشكل خفيّ للحرب الدموية في أوكرانيا التي سمح لها قبولها الجبان بالإجراءات الأمريكية المناهضة لروسيا بالإعلان عن خطط لزيادة إنفاقها على الأسلحة بشكل كبير، وفي الغالب عن طريق شراء أسلحة عسكرية متطورة من صانعي الأسلحة الأمريكيين.

يعتبر السلوك الألماني تجاه انتهاك الوعود الأمريكية لروسيا فيما يتعلّق بحلف الناتو بعد إعادة توحيد ألمانيا مثيراً للسخرية، حيث اختار الرئيس كلينتون، المنتخب في عام 1992، بعد توليه منصبه، البدء في تشجيع توسيعه، وكذلك استخدام التحالف خارج حدوده كامتداد للإمبراطورية الأمريكية، كما حدث في قصف صربيا وكوسوفو، والتدخل في الحرب الأهلية البوسنية. وعندما تولى بوش الإدارة في عام 2001، كان الناتو يعمل كقوة عسكرية متعدّدة الجنسيات خارج الأمم المتحدة في أفغانستان.

هذا الوضع أوصل روسيا إلى الدفاع عما تعتبره أمنها الإقليمي الخاص بعملية عسكرية على أوكرانيا، وحثّ الولايات المتحدة على جعل الأمور أسوأ من خلال إرسال أسلحة فتاكة إلى الجيش الأوكراني، وبشكل أكثر جنوناً، لفرض حظر طيران فوق أوكرانيا أو أجزاء منها، وهو إجراء يمكن أن يؤدي بسرعة إلى قيام الطائرات الأمريكية والروسية بإسقاط طائرات بعضهما البعض، وربما بسرعة كبيرة إلى حرب نووية بين الدولتين اللتين تمتلكان معظم الترسانة النووية في العالم.

يمكن للولايات المتحدة أن تنهي هذا الصراع بسرعة من خلال الإعلان ببساطة أنها ستحترم الوعد الذي قطعته للأمين العام للاتحاد السوفييتي غورباتشوف قبل 32 عاماً، ولن تقبل على الإطلاق بانضمام أوكرانيا إلى الناتو، ولن تسعى إلى وضع قوات أمريكية أو أسلحة نووية في أوكرانيا.

ولكن إذا لم تفعل الولايات المتحدة الشيء الصحيح لوقف إراقة الدماء، فيجب أن تتمتّع ألمانيا بالنزاهة والثقة بالنفس، وأن تقوم بذلك من خلال الإعلان أن الحكومة الألمانية تريد الوفاء بالوعد الذي قطعته والذي سمح بإعادة توحيد البلاد بشكل سلس، فقد تسبّب نصف قرن بمثل هذا الموت والدمار في جميع أنحاء القارة الأوروبية، وإن لم تتعهد بعدم الموافقة على انضمام دولة أخرى عضو في الناتو، ولم تلتزم بهذا الوعد، فعلى الشعب الألماني أن يطالب به.