مجلة البعث الأسبوعية

روسيا في مواجهة الغرب (1) ( توازن الحاجة وتوازن الرعب )

د. مهدي دخل الله

وسط المناخ الحربي المشحون بين روسيا والغرب يتم تجاهل حقائق موضوعية تتعلق بوجود « توازن الحاجة » و « توازن الرعب » بين الجانبين . سأقتصر بالحديث هنا عن المفهوم الأول مؤجلاً الثاني لما بعد .

توازن الحاجة يعني بإيجاز أنك محتاج لي بقدر ما أنا محتاج إليك . إذا قاطعتني فستتضرر أنت كما أتضرر أنا . هذا يعني أن منطق الحياة والاستمرار يقف موضوعياً ضد دعاة الهيمنة والسيطرة ، ويخدم موضوعياً دعاة التعاون والمساواة بين جميع الدول بغض النظر عن عقائدها وأصحابها ومواقعها الجغرافية …

الحاجة الموضوعية الملحة اليوم ، التي تخدم الجميع ، هي ضرورة الأمن الشامل المتبادل ، أي أن أمن دولة شرط لأمن غيرها بالتبادل . ونحن بحاجة إلى المساواة والتعاون والخلاص من الهيمنة والاحتلال والعدوان والحروب . هذه المبادئ تضمنها ( إعلان موسكو ) الذي وقعه الأسد مع بوتين في 25  كانون الثاني 2005.

الحاجة إلى التعاون اليوم تفرض نفسها فرضاً على واقعنا بغض النظر عن إرادات البشر . لعله البعد الإيجابي الموضوعي في العولمة الذي يعري رغبة قوى الهيمنة في الإقصاء والتفرد واستخدام العولمة وسيلة للعنصرية .

قد تستطيع دولة كبيرة ، أو مجموعة دول كبيرة ، مقاطعة دولة صغيرة كسورية دون أن يتأثر المقاطعون . لكن لا تستطيع دولة كبيرة أن تقاطع روسيا والصين وغيرهما دون أن تتأثر هي نفسها سلبياً بهذه المقاطعة . وفي بعض الأحيان تكون خسائر المقاطع ( بكسر الطاء ) أكبر من خسائر المقاطع ( بفتح الطاء ) أي تكون خسائر اسم الفاعل أكثر من خسائر اسم المفعول .

هنا تظهر حالة عبثية . فمن يحاول إيذاء روسيا والصين أو الولايات المتحدة أو أوروبا بالمقاطعة يؤذي نفسه أولاً . التطورات اليوم تثبت هذه الظاهرة التي هي نتاج العولمة الاقتصادية والاعتماد المتبادل . آلات الضخ الكبيرة العاملة في ضخ الغاز والنفط الروسي إلى أوروبا فيها قطع ومكونات من إنتاج الطرف الأوروبي , وربما الأمريكي . وعندما تقاطع أوروبا روسيا وتمنع تصدير وسائل الإنتاج إليها بما في ذلك مكونات آلات الضخ تكون النتيجة توقف الضخ ليس بسبب قرار روسي وإنما بسبب المقاطعة الأوروبية ..

الحديث هنا عن وسائل الإنتاج ومكوناتها فقط , أما وسائل الاستهلاك فالحديث أكثر شجوناً . كل زائر لموسكو اليوم يجد في شوارعها ملايين السيارات الخاصة من إنتاج أوروبي , ألماني بشكل خاص . نعم ملايين في مدينة روسية واحدة . السؤال لمن ستبيع ألمانيا هذه الملايين من السيارات عندما تقاطع روسيا ؟؟..

إذا انتقلنا إلى العلاقة بين الصين والولايات المتحدة فالمسألة أكثر شجوناً .. وشؤوناً …

mahdidakhlala@gmail.com