ثقافةسلايد الجريدةصحيفة البعث

احتفالية إدراج العنصر الخامس لتراثنا اللامادي على قائمة اليونسكو

ملده شويكاني

العود الدمشقي الذي عزف عليه فريد الأطرش وغيره من عمالقة الفنّ، كان حاضراً بنغماته وأوتاره في الاحتفاء باليوم المشهود لسورية، كما وصفته د. لبانة مشوّح وزيرة الثقافة بإدراج العنصر الخامس لتراثنا اللامادي (صناعة العود والعزف عليه) على قائمة التراث الإنساني.

وبحضور رسمي وجماهيري، وثّقت لحظة إعلان النبأ بعرض الفيديو، كما عُرضت أفلام توثيقية – تسجيلية، بيّنت تاريخ آلة العود التي ارتبطت بتراثنا السوري وهويتنا الثقافة، وغدت جزءاً من الطقوس الاجتماعية وخاصة في دمشق وحلب، بمشاركة النساء والرجال بالعزف.

وفي الوقت الحالي تدرّس آلة العود أكاديمياً ولها حضور قوي أوركسترالياً من خلال أمسيات دار الأوبرا وأماكن ثقافية أخرى.

وقد تألقت الاحتفالية بمشاركة عازف العود والمؤلف الموسيقي كنان ادناوي بمقطوعات من تأليفه بمرافقة الفرقة الموسيقية فأبدع بتمازج اللحن الشرقي والعزف التقني بأداء ساحر.

معايير عالمية

بداية، تحدثت الوزيرة مشوّح عن الإنجاز الجديد “صناعة العود والعزف عليه” الذي نجحت سورية بإدراجه ضمن القائمة التمثيلية للتراث الإنساني في منظمة اليونسكو لعام 2022، بملف مشترك سوري – إيراني عكس وجود مشتركات متأصلة بين البلدين من شأنها أن تعزز الحوار بين المختصين والممارسين والصنّاع وصولاً إلى تلاقي رؤى تطور الحرفة وتضمن استدامتها، إذ أعدت الجهات المختصة في كل بلد على حدة الملف، وتضمن أماكن تمركز هذا العنصر وخصائصه ومراحل تطوره والممارسات المرتبطة به، وأرخت لنشأة صناعة هذه الآلة الشجية، وحصرت أهم صنّاعه، وأهم العازفين ماضياً وحاضراً ومراكز التأهيل الموسيقي والحرفي بأياد وطنية بمعايير عالمية، وبالتشارك مع حملة التراث من صنّاع ومؤرخين وعازفين وأكاديميين مدفوعين بشغف تراثنا اللامادي.

وأشادت مشوّح بجهود الأمانة السورية للتنمية ووزارة الثقافة لإعداد الملف، مشيرة إلى أن كل ذلك لم يكن يتم لولا العمل المديد والمتابعة الدؤوبة والرعاية الكريمة من السيدة أسماء الأسد.

وتابعت مشوّح مع الإعلاميين بأن هذا العنصر جزء من تراثنا الوطني ويجب علينا صونه وحمايته وضمان استدامته، بنشر الوعي بأهميته وبتعزيز مهنة صناعة العود ودعم العازفين عليه ومؤلفي المقطوعات الموسيقية الخاصة بالعود من كل الأعمار للإناث والذكور، إضافة إلى تأهيل العازفين الشباب والصغار. كما تطرقت إلى صناعة العود التي تتطلب مهارة فائقة، وهي حرفة ولابد من دعم صنّاعها حتى نحافظ عليها، وقد انتشرت في دمشق وحلب بالدرجة الأولى ثم في السويداء ودرعا متأصلة في سورية، ما يشكّل عنصرَ نشاط وعملاً اقتصادياً للأفراد ممارسي هذا العمل، وكل الأنشطة المتعلقة بالعود تشكّل عنصراً هاماً بالتنمية المجتمعية لأنها عناصر جذب لمناطق معينة تقام فيها أنشطة تتعلق بهذا الفن وهذه الصناعة.

ذخائر مشتركة

وقال السفير الإيراني في سورية مهدي سبحاني إنه يوم سعيد بالنسبة لإيران وسورية، وهو يدل على أن لدى سورية وإيران الكثير في المجال الثقافي، وهي ذخائر مشتركة، وعلينا أن نوسعها.

انتقال الحرفة

وأوضح ممثل الأمانة السورية للتنمية شادي الألشي بأنه منذ أكثر من مئة وأربعين سنة تمت صناعة أول عود على يد حرفي دمشقي، والتاريخ السوري غني بأسماء حرفيي آلة العود الذين يتناقلون الحرفة بشغف وإبداع ويطوّرونها ويثبتون بصمتهم الإبداعية، لتكون الآلة الموسيقية الجامعة لأفراد المجتمع السوري على تنوعه، وتوقف عند الملف الذي استغرق إعداده أربع سنوات.

لقاءات تسجيلية

وفي القسم الثاني من الاحتفالية عُرضت مجموعة أفلام وثائقية وتسجيلية توثق حاضر آلة العود وماضيها، تتعلق بعلمية تصنيع العود ونوع الخشب، ولقاءات لشخصيات موسيقية من حلب أشارت إلى أن للعود المكانة الأولى بالمجتمع، وإلى دور العازفات بالطقوس الاجتماعية، وتوقفت الكاميرا مع حمدي الشاطر من معهد صباح فخري الذي تحدث عن استمرار دروس آلة العود رغم القذائف الإرهابية التي كانت تتساقط على المدينة.

وكان لعائلة السبسبي الموسيقية فيلم أكد فيه حسين السبسبي أن تصنيع صوت العود يحتاج إلى موسيقي، وكان للمعهد العالي للموسيقا ودار الأوبرا فيلم يظهر تطور آلة العود أكاديمياً، فأشار المايسترو عدنان فتح الله عميد المعهد العالي للموسيقا إلى أن العود آلة شرقية إلا أنها قادرة أن تعزف كل الأنماط الموسيقية، والأعمال الكلاسيكية. أما الموسيقي محمد عثمان فتحدث في فيلم تسجيلي عن تشكيل رباعي العود واختلاف الصوت.

الفارابي وإيران 

كما عُرض فيلم مطوّل عن التراث الموسيقي الإيراني لآلة العود ونقشها على المنحوتات والرسومات، ولقاءات لموسيقيين وباحثين تحدثوا عن تاريخها وعن النوتة الموسيقية ودور الفارابي، ومن ثم دورها المعاصر بالعزف والتعليم.

طلاب معهد صلحي الوادي

وتمهيداً للأمسية الموسيقية قُدمت لوحة موسيقية بمشاركة اليافعين ربيع جان وعلي علي والطفلة شام خضور من معهد صلحي الوادي بالعزف المنفرد على العود، فعزفت شام مقطوعة من مقام النهاوند الغني بالمشاعر الوجدانية، وتابع علي علي بعزف لونغا نهاوند، أما ربيع جان فعزف لونغا نكريز ذات الرتم السريع. أما الشابة غيثاء نقري فعزفت سماعي نهاوند.

العود والنسيج الموسيقي

وشغلت مشاركة عازف العود والمؤلف الموسيقي كنان ادناوي مع الفرقة الموسيقية المرافقة الحيز الأكبر من الأمسية، فكان العود الآلة الأساسية بمرافقة البيانو والهارب والتشيللو والكونترباص والكمان والقانون والترومبيت والساكسفون والتيمبني والطبل الكبير واللحنية الإيقاعية، والإيقاع، قدم خلالها ادناوي مجموعة من مؤلفاته المتسمة باللحن الشرقي، أظهرت جمالية التوزيع الموسيقي ودور العود بعزف أنماط موسيقية مختلفة إضافة إلى الصولو وبراعة ادناوي بالعزف التقني في مواضع، وارتجالات، فعزف مقطوعات عدة، منها افتتاحية تموز التي حملت روح الأسطورة والبعد المعاصر بالبدايات الجميلة، فدمجت بين القوة والرقة، بدأت بالعود والكمان والبيانو ومن ثم الفرقة مع الضربات الخفيفة للتيمباني، ليتصاعد اللحن الأساسي للعود بالعزف التقني المتسارع وضربات الطبل الكبير، ومن ثم يتابع مساره بالاندماج بالنسيج الموسيقي مع صولو الساكسفون -دلامة شهاب. ثم عزف تحية وحكاية حب ومزاج وغيرها، أما مقطوعة طريق دمشق فتخللتها موسيقا أغنيات تراثية” طال المطال”.

سماعي بيات

ومن السماعي أحد قوالب الموسيقا الآلية عزف مقطوعة سماعي بيات، تخللتها حركات ووقفات وألحان رقيقة وتقاسيم عزف فيها بالأصابع في مواضع.  كما قدم مقطوعة من التراث الإيراني هدية إلى الشعب الإيراني.

ومن المشاركين، شكر ربيع جان، طالب الأستاذ كنان ادناوي، معهد صلحي الوادي لتنمية مهارات الطلاب، وتطرق إلى أهمية مشاركته بهذه الاحتفالية التي تظهر مكانة آلة العود وصناعتها الأكثر شيوعاً في منطقتنا.