مجلة البعث الأسبوعية

بعد مرور 12عاماً على الغياب .. المنطقة الصناعية بدير الزور تنبض بالحياة

البعث الأسبوعية – وائل حميدي

انتهت أثنتا عشر عاماً من غياب أصحاب حرف السيارات بمدينة دير الزور بعودتهم إلى بدايتهم الأولى بعدما اضطروا مجبرين لترك ما يُعرف بالمنطقة الصناعية في المدينة لتكون هذه العودة واحدة من أكثر الخطوات جرأةً من حيث التوقيت والتحضير والتنفيذ، ولتشهد المنطقة المذكورة عودة الحياة إليها وبقوة بعدما فعل الإرهاب ما فعله في المنطقة والذي بدأ بسرقة كافة تلك المحال بما تحويه من تجهيزات وآلات و عِدَد صناعية ثم حرق بعضها وانتهى بتدمير بعضها الآخر ليكون لهذا التداعي الأمني الذي بدأ منذ أثني عشر عاماً سبباً قاهراً لمغادرة أصحاب المهن لمحالهم والانتشار بشكل عشوائي في الأحياء الآمنة ( آنذاك) وبين منازل المدنيين ما شكّل إزعاجاً وعدم رضا لدى الجميع سواء الجيران الجُدد أو أصحاب المحال ذاتهم وقد وجدوا أنفسهم في مكان ليس بمكانهم وجوارٍ ليسوا بجيرانهم، وعين الجميع على ساعة العودة والتي بدأت فعلاً لتُعلن طَي حقبة مزعجة شهدتها الأحياء الآمنة ولتُعلن أيضاً عودة الحياة وبكامل مقوماتها إلى حي الصناعة في مدينة دير الزور.

 

نظرة سريعة.

يقع ما يُعرف ب ( حَي الصناعة) في الجهة الشرقية لمدينة دير الزور، وهو حي تجاوَرت فيه منازل قاطنيه مع تجمّع لكافة المحال الخاصة بالآليات والمعدات الزراعية وغيرها الكثير، ويحتوي الحي سابقاً على ما يقارب ألف محل تنوعت في اختصاصها بين مهنة إصلاح الآليات بنوعيها البنزين والديزل، ومحال للمعدات الزراعية الثقيلة منها والخفيفة إضافةً للمطاعم والحدائق والمدارس مع تخديم كامل للحي من بنى تحتية وشبكة كهربائية متكاملة واتصالات متطورة وشوارع وأرصفة  وكل هذا خلق تجانساً بين طرفي الجوار ( بيوت المدنيين ومحال المهنيين)، كما يحتوي حي الصناعة على العديد من المدارس باختلاف حلقاتها ومركزاً صحياً والعديد من المساجد، وهو حي يتوسط كل من أحياء الطحطوح وهرابش ودوار غسان عبود المتاخِم لحَي خسارات و حي المطار القديم، وكل ما ذُكر أعلاه يؤكد تنوع الحياة فيه سابقاً، وبأنه مركزاً صناعياً وتجارياً هاماً بدليل إنشاء مجمّعاً هندسياً لمكاتب السيارات توسط الحي سابقاً، ومع ذلك ومع بداية الحرب الحاقدة على سورية هجر الجميع الحي المذكور والذي تعاقبت عليه كل المجموعات الإرهابية المسلحة على اختلاف تسمياتها ومأجوريتها وكل هذا كان سبباً كبيراً لهجرة أبناء الحي سواء مدنيين أو مهنيين ليكون واحداً من أكثر الأحياء عرضة للسرقة والنهب والحرق والتدمير.

فكرة العودة

منذ أشهر خلت بدأت عملية طرح فكرة عودة أصحاب مهن الآليات إلى مكانهم السابق وحينها كانت الفكرة أشبه بالمغامرة التي تزامنت مع بعض الشكاوى الواردة من المواطنين حول الإزعاج والضجيج الذي يُخلِّفه وجود بعض أصحاب المهن الخاصة بالآليات الذين انتشروا عشوائياً في الحارات رغم التجمُّع الواضح لغالبيتهم في شارع السجن، ومع ذلك لم يكن لهذا التجمع الشكل الواضح لمنطقة صناعية بسبب وجوده بين المنازل، تزامن هذا مع قرار جريء جداً لمحافظة دير الزور فاضل نجار لإحياء شارع سينما فؤاد والذي لاقى اعتراضاً كبيراً وقتها ومع ذلك لاقى القرار صدىً إيجابياً كبيراً حتى من الغالبية التي اعترضته، ولأن قرار إحياء شارع سينما فؤاد لاقى نجاحاً وانعكاساً إيجابياً تم على الفور اتخاذ قرار مشابه بعودة الحياة الاقتصادية إلى شارع ستة إلا ربع الأكثر شهرة ونشاطاً كونه مركزاً تجارياً كبيراً خرج عن الخدمة مع بداية الحرب حاله كحال سينما فؤاد، وتزامن هذان القراران بقرارين  مُشابهين أولهما إعادة إحياء شارع حسن الطه الذي يحوي على عشرات المحال التجارية متنوعة الاختصاص، و ثانيهما إعادة تأهيل وتفعيل مركز الانطلاق القديم الذي يتوسط المدينة، وكان لنجاح هذه القرارات ( الغريبة) الأربعة حافزاً لقبول فكرة إحياء المنطقة الصناعية والتي لابد وأن تبدأ باجتماعات ضيقة مع أصحاب المحال في حي الصناعة وهنا كان لغرفة تجارة وصناعة دير الزور الدور الأكبر في التواصل والاجتماع مع أصحاب المحال في حي الصناعة، ومابين مؤيد ومعارض للقرار بدأت أولى الخطوات الخاصة بتأهيل البنى التحتية في حي الصناعة وأهمها إزالة الأنقاض وتأمين شبكتي المياه والصرف الصحي والنظر بإمكاني تأمين شبكة كهربائية لكافة المحال ( كونها منتشرة ومتباعدة) ، ومع هذه الخطوات الأولى لم تعد فكرة عودة المهنيين إلى سابق مكانهم بالفكرة الغريبة، ولكن محافظ دير الزور لم يتخذ قرار إلزام المهنيين بالعودة لمحالهم السابقة بشكل فوري بل بدأ على مراحل تمت دراستها بين مجلس المدينة وغرفة التجارة والصناعة وبعض المنظمات الدولية وكافة الدوائر الخدمية المعنية، لتنتهي هذه العمليات التنسيقية والتي بدأت بالتنفيذ بقرار لا رجعة فيه خاصاً بإلزام أصحاب المهن العودة لمحالهم في حي الصناعة والذي أخذ صيغة التبليغ أولاً ثم التعهد بالعودة وأخيراً العودة الفعلية لحي الصناعة.

إغلاق العشوائي

رئيس مجلس مدينة دير الزور المهندس جرير كاكاخان أشار إلى أنه تم وضع خطة عمل متكاملة، لإعادة إحياء المنطقة الصناعية بالمحافظة وتأهيلها، بالتعاون بين مجلس المدينة والدوائر الخدمية، والمنظمات الدولية العاملة في سورية، مبيناً أنه من الأعمال المنجزة إزالة الأنقاض وتأهيل شبكتي الصرف الصحي لمسافة ألف متر، وشبكة المياه لمسافة 4 آلاف متر، وتركيب 30 عامود إنارة بالطاقة الشمسية، ووضع نقطة شرطية وسط المنطقة.

ولفت كاكاخان إلى أن الخطة تتضمن تنفيذ شبكة اتصالات وأعمال الشبكة الكهربائية، لوصل التيار إلى كامل المنطقة، مشيراً إلى أن المكتب التنفيذي لمجلس المدينة طلب من أصحاب المحال والحرف الصناعية نقل عملهم إلى المنطقة الصناعية، وإغلاق الفعاليات الحرفية التي افتتحت بصورة عشوائية في أحياء المدينة خلال المرحلة الماضية.

ويضيف كاكاخان بأن مجلس مدينة دير الزور قام بفتح الطريق الممتد بين دوار غسان عبود وحي الصناعة، لتسهيل الوصول إلى المنطقة الصناعية، التي ستستكمل أعمال تأهيلها بصورة كاملة، وسيتم تأمين جميع الخدمات التي تحتاجها.

 

المزيد من المنشآت.

رئيس غرفة تجارة وصناعة ديرالزور لؤي محيمد أكد في حديثه بأن العمل جار على تأهيل منشآت عدة في المنطقة من قبل أصحابها، تمهيداً لإعادة افتتاحها والانتقال إليها من جديد بعد غياب ما يقارب أثني عشر عاماً، موضحاً أن عملية النقل المذكورة سبقها الكثير من أعمال تأهيل والتنسيق مع أصحاب تلك المحال المتواجدين في المدينة والذين أبدوا ارتياحاً لهذا القرار حال كانت أرضيته تسمح لهذه العودة لتكون المنطقة مؤهِّلة بالكامل.

و يضيف محيميد بأنه من الناحية العملية بلغ عدد المحال المفتتحة لغاية اليوم حوالي 170 محلاً تنوعت في اختصاصها بين الميكانيك والدوزان وكهرباء السيارات والتصويج والطلاء وغيرها، فيما تشهد المنطقة تزايداً في أعداد أبناء المهنة الذين وجدوا في الخطوة استقراراً لأعمالهم كون غالبيتهم عاد إلى ملكية محلهِ والتخلص من الآجارات التي خلقت حالة من عدم الاستقرار في مصالحهم.

 

مع المهنيين

“البعث الأسبوعية ” ومن خلال زيارة المنطقة التقت ببعض أصحاب المهن الخاصة بالآليات والذين انقسموا في الرأي بين مؤيد للقرار وبين مؤيد له ولكن بعد تأمين كافة أعمال البنى التحتية في المكان وأهمها استكمال الكهرباء، علماً أن محافظ دير الزور وجّه بشكل فوري لإجراء كافة الدراسات الفنية لاستكمال البنى التحتية بحيث تكون كامل المنطقة مُخدمة وبما يضمن ارتياحاً في العودة التي باتت سبباً كبيراً لعودة الحياة ومُحفزاً جديداً لعودة الأهالي إلى منازلهم في عمق حي الصناعة لاسيما بعد افتتاح مدرستَي شهداء الأقصى ومدرسة محمود البطمان ( حلقة أولى) واللتان شكّلتا حافزاً إضافياً لعودتهم.

 تأمين النقل

يُذكر أخيراً أن لجنة السير في المحافظة قررت إدخال خط نقل داخلي يصل لعمق حي الصناعة ويربطها بدوّار غسان عبود وذلك تجاوباً مع طلبات المهنيين العائدين الذين التقاهم محافظ دير الزور خلال زيارته المكان مؤخراً واستمع منهم إلى أهم متطلباتهم التي تم اكتشافها بعد عودتهم ومباشرتهم لأعمالهم في محالهم الجديدة وقد وُضعت كافة الملاحظات على طاولة التداول والقرار ليصار لتجاوزها وبما يضمن العودة المريحة إلى حي الصناعة.