الزلزال المدمر يوحّد السوريين .. تضامن بالقلوب وتكافل بالجيوب لمواجهة الكارثة
البعث الأسبوعية – غسان فطوم
بالرغم من المآسي التي خلفها زلزال أول أمس الذي راح ضحيته في حصيلة غير نهائية 769 وفاة و 1448 إصابة في محافظات حلب واللاذقية وحماة وريف إدلب وطرطوس، عدا عن انهيار البيوت وتضرر العديد من المنشآت الخدمية، لكن حالة التضامن والتكافل التي جسدها السوريون منذ اللحظات الأولى خففت الكثير من هول المصاب الجلل، بمبادرات فردية من تبرعات بالمال والدم، ومن مؤسسات حكومية وأهلية وخاصة اتخذت عدة إجراءات إسعافية عاجلة لإغاثة وإيواء المتضررين وتقديم مساعدات غذائية وكامل الخدمات الصحية والإغاثة والرعاية العاجلة للمتضررين، ورغم أن الفرق المحلية قد تفتقر للمؤهلات لإدارة الكوارث الطبيعية الكبرى، ولكن كان شعارها بالحب والانتماء الحقيقي نصنع المعجزات.
وبحسب ما أعلنت الأمانة السورية للتنمية أنها تلقت خلال الساعات الماضية عدداً كبيراً من الاتصالات من جهات وشخصيات ومؤسسات ترغب بالتبرع لمصلحة المتضررين في مختلف المحافظات، التي ضربها الزلزال فجر يوم السادس من شباط الجاري.
وتناقلت الأخبار وصول التبرعات من أهل الخير في كافة المحافظات إلى أرقام تخطت المليارات، وأعلنت مؤسسة سورية بتجمعنا عن تسيير عدد من القوافل المحملة بنحو 60 طناً من المواد الغذائية والحرامات للمحافظات المتضررة من الزلزال.
بالدم والروح
ولم يتوقف دعم السوريين لبعضهم بتقديم المساعدات العينية والمالية بل بالروح والدم أيضاً ، فبحسب المؤسسة العامة للدم والصناعات الطبية أن جميع الزمر الدمـوية متوفرة، وبكميات كافية في جميع بنوك الدم ولاسيما في المحافظات المـتضررة من الزلزال، وذلك بفضل تدافع آلاف المواطنين للتبرع بدمائهم لإنقاذ إخوانهم المصابين يضاف لها دعوة الفعاليات الشعبية للتبرع بالدم والتي لاقت استجابة كبيرة من خلال الازدحام على مراكز نقل الدم.
هي بلا شك حالة ليست بغريبة على السوريين كمواطنين ومؤسسات حكومية وأهلية وخاصة، وقد لاحظناها كثيراً خلال سنوات الحرب الماضية وما خلفته من دمار، ليوجّه السوريون اليوم بتضامنهم وتكافلهم وفزعتهم صفعة قوية لمن أرادوا قتل قلوبهم وتشتيت شملهم وتأليبهم على قتل بعض، لتذهب بذلك عقوباتهم الاقتصادية ونواياهم الغادرة أدراج الرياح.
دعوات لرفع العقوبات
ومع كل دقيقة كانت تمضي من عواقب الزلزال تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي، والمنصات الإخبارية ووسائل الإعلام الرسمية والخاصة دعوات عاجلة للإغاثة الطارئة للمناطق المنكوبة، واندفع السوريون على امتداد الوطن للمساهمة في إزالة الأنقاض وانتشال جثث الضحايا وإسعاف المصابين وإيواء الأسر، فيما أطلق عشرات الآلاف منهم الدعوات لرفع العقوبات المفروضة على الشعب السوري وناشدوا منظمات الإغاثة الدولية والمنظمات الإنسانية لترك “السياسة على جنب” وتقديم كافة أنواع الإغاثة والمساعدات اللازمة لمواجهة عواقب الكارثة المدمرة.
ضمائر ميتة!
واستنكر السوريون الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة الأمريكية والبعض من أذنابها في أوربا مع القضايا الإنسانية في حالة الكوارث، وكأن عيونهم عوراء، بل ضمائرهم ميتة، فهم لا يرون إلا من زاوية السياسة والمصالح، مؤكدين أن الشعب السوري الذي تحدى عقوباتهم وصبر على آلام الحرب لا يريد مساعدتهم.
أكبر كذبة!
وقال آخرون “صرعونا طوال العقود الماضية بالتغني بالأخلاق والإنسانية والعلاقات بين الناس والدول والمبادئ والقيم، لكن اليوم اكتشفنا أنها أكبر كذبة” لذا نقول لهم: نحن أقوياء رغم مصابنا رغم ضعفنا لأننا مؤمنون بقدراتنا ونقّدر تضامن الأشقاء والأصدقاء لتجاوز المحنة.
ورداً على ممارسات الغرب أكد السوريون في سلوكهم العملي وكتاباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي أن سورية ستواجه الكارثة بالحب والتضامن والتكافل وبالعمل على إعادة الاعتبار لروح التعاون والتعاضد فيما بينهم، مؤكدين على أهمية التشاركية ما بين مؤسسات الدولة والمجتمع الأهلي والمنظمات والنقابات والجمعيات وغيرها من الفعاليات.
إرادة وإدارة
ورأى الكثير من السوريين أن هذه المحنة تحتاج لإرادة قوية وإدارة ناجحة لوضع رؤية لتجاوزها من خلال توحيد الجهود ووضع كل الإمكانات المتاحة للتخفيف من الأضرار وإعادة الاستقرار للأسر التي تشردت بفعل انهيار العديد من المنازل.
فيما ذهب آخرون بالقول أن الزلزال وحّد السوريين بالقلوب والجيوب، وكان ذلك واضحاً على الأرض، بل وأعاد إحياء شعور المواطنة والانتماء عند كل سوري مؤمن بعراقة هذا البلد المقاوم لكل أشكال الظلم والكوارث.
أمنيات عاجلة
ودعا المواطنون السوريون مؤسسات الدولة والجمعيات الأهلية العاملة بالمحافظات إلى السرعة في معالجة الآثار التي لحقت بالمتضررين من الزلزال، واستنفار كامل الطاقات للمساعدة في عمليات الإنقاذ وإزالة الأنقاض،وتأمين مراكز إيواء للمتضررين، وتقديم كامل الخدمات الصحية والإغاثة والرعاية العاجلة.
صور إنسانية
بالإضافة إلى صور مآسي الزلزال لكن رغم آلامها لم تستطع أن تحجب تلك الصورة الإنسانية المعبرة عن القيم الراسخة في وجدان السوريين ومحبتهم على بعض، ومنها صور العشرات بل المئات من المواطنين، وهم يحملون بأيديهم ومركباتهم المواد الغذائية و”الحرامات” وبعض الأدوية الإسعافية والتجهيزات الطبية، بل وبعضهم تبرع بمبالغ نقدية كبيرة للأسر المتضررة، وآخرون فتحوا أبواب بيوتهم بكل رحابة صدر، عدا عن مبادرات توزيع الخبز والماء وغير ذلك من مساعدات.
ذهب عتيق
بالعموم أظهر السوريون داخل الوطن وخارجه معدنهم الحقيقي “دهب عتيق” في صورة ولا أجمل خففت المعاناة، وتجلى ذلك بصدق مشاعرهم ونبل أخلاقهم وتكافلهم الاجتماعي غير المحدود ليثبتوا للعالم أجمع، وخاصة لمن يتاجر بالقيم والأخلاق، أن سورية ولّادة بكل أنواع وأشكال الخير، وهي تمرض ولا تموت.