دراساتصحيفة البعث

صفحات خالدة من نضال أبناء الجولان ضد الاحتلال الإسرائيلي

القنيطرة – محمد غالب حسين

في سني التلمذة واليفاع والشباب، وأيام الدّرس والتحصيل، وجدنا التاريخ النضالي لأبناء الجولان مكثفاً مختصراً بالهجوم الذي نفّذه المجاهدون على موكب الجنرال الفرنسي غورو قبل مدينة القنيطرة بموقع “عين الواويات”، بينما كان الآباء والأجداد يحدثوننا في الأماسي والعشيات عن نضال بطولي، وتضحيات كبرى، وأيام خالدة، وشهداء بررة، وجرحى وأبطال في الخصاص ومرجعيون والحولة ومجدل شمس وجباثا الخشب وغيرها.

وعندما عُدنا للمراجع التاريخية التي وثقت أحداث تلك الأيام، وسمعنا روايات الشهود العيان، واطلعنا على وثائق تاريخية مهمة، قرأنا سجلاً ذهبياً من النضال والبطولة والتضحيات، كتبه أبناء الجولان بالدماء الزكية الطاهرة، واكتشفنا كنزاً نضالياً ضد الاحتلال الفرنسي بمعارك الخصاص ومرجعيون والحماري ومجدل شمس وجباثا الخشب وفيق التي تضافرت مع ثورات الساحل والفرات وحوران وجبل العرب ودمشق وحلب وجبل الزاوية، فصاغت ملحمة الجلاء نصراً مؤزراً وعزاً ومجداً وحرية ودحراً للاحتلال الفرنسي الغاشم.

معارك خالدة

لقد شارك أبناء الجولان بالثورة العربية الكبرى حيث انطلق المئات من الفرسان بقيادة الأمير محمود الفاعور، وساندوا الجيش العربي بقيادة الشريف ناصر بن علي في معارك درعا ودير علي وتل المانع حتى تمّ دخول الجيش العربي لدمشق في ٢٥/ ١٠/ ١٩١٨.

وانطلقت شرارة ثورة الجولان عندما بدأ الجيش الفرنسي يخطط لاحتلال سورية عن طريق مرجعيون فالجولان بعد اتفاقية “سايكس بيكو” التي كُتبت أحرفها الأولى في القاهرة من قبل مارك سايكس الانكليزي وجورج بيكو الفرنسي عام ١٩١٥، ووافقت عليها الدولتان أي فرنسا وبريطانيا في ٩/ ٤/ ١٩١٦، حيث اقتسم خلالها الفرنسيون والبريطانيون البلاد العربية بعد هزيمة الاستعمار العثماني.

وبعد احتلال فرنسا للساحل السوري، بدأت بالتّحرش بأبناء الجولان لضمّ الحولة لدولة لبنان الكبير، وقاموا بقصف قرية الدوارة، وتدميرها بالمدافع في ١٥/ ١٠/ ١٩١٨، وهاجم الفرنسيون قصر الأمير محمود الفاعور عضو المؤتمر السوري الذي تمّ انتخابه ممثلاً للجولان والجنوب والعرقوب بتاريخ ٧/١/ ١٩١٨، فتصدّى لهم أبناء الجولان، وقتلوا سبعة جنود فرنسيين، واستشهد أربعة من أبناء الجولان.

أما معركة الخصاص الثانية فقد وقعت في ٥/ ١٢/ ١٩١٩، حين هاجم الجيش الفرنسي بلوائين عسكريين يضمان الفرسان والمدرعات والمشاة والمدفعية، ويقود الكولونيل دراكون الأول بينما كان الثاني بأمرة الكولونيل شاربينتي. واستبسل أبناء الجولان بهذه المعركة، وقتلوا المئات من الجنود الفرنسيين، وأسروا مئتين آخرين، وغنموا أربعين رشاشاً ومئات البنادق، كما تذكر جريدة العاصمة بعددها رقم ٨٠، الصادر في ١٠/ ١٢/ ١٩١٩.

وتابع الثوار هجومهم على مرجعيون، واحتلوا حاصبيا وراشيا، وامتدت المواجهات حتى قرية المطلة. ويُسمي أبناء الجولان هذه المعركة الخالدة بمعركة الحَماري نسبة لسهل الحَماري الذي يمتاز بتربة حمراء قانية.

وتوالت المعارك التي خاضها الجولانيون بقيادة الأمير محمود الفاعور ضد الجيش الفرنسي، ودحروه بها، وكبدوه خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، كمعارك الخصاص الأولى والثانية والحَماري وراشيا ومرجعيون، وتمكّنوا من صدّ جيش فرنسا الجرّار بقيادة الجنرال غورو، ومنعه من احتلال سورية عن طريق مرجعيون فالجولان عام ١٩١٩.

ولا ننسى معارك قتل قائمقام فيق ومحاولة قتل المندوب السامي البريطاني بفلسطين هربرت صموئيل في ١٠/ ٣/ ١٩٢٠، بموقع الطابغة عندما علم الثوار بنيته لزيارة بحيرة طبرية، نظراً للتواطؤ الانكليزي الفرنسي، وتنكّر البريطانيين لوعودهم بإقامة دولة عربية خلال مراسلاتهم مع الشريف حسين، وخيانتهم للعرب، ومحاولة اغتيال الجنرال الفرنسي غورو في ٢٣/ ٦/ ١٩٢١، قبل مدينة القنيطرة عند عين الواويات ، ومعركة مجدل شمس الأول في ٣/ ١٢/ ١٩٢٥، ومعركة مجدل شمس الثانية ٧/ ١/ ١٩٢٦، ومعركة مجدل شمس الثالثة ٤/ ٤/ ١٩٢٦، ومعركة جباثا الخشب ٣٠/٤/ ١٩٢٦، واستشهاد البطل أحمد مريود مع أربعين من رفاقه فيها.

ولا بدّ من ذكر الرجالات الذين شاركوا بالمعارك، وخططوا لها، وقادوا بعضها كالأمير حسن دهام الفاعور، والأميرين نايف، وكنج الفاعور، والشيخ عبد الله الطحان، والشهيد البطل أحمد مريود الذي يُعدّ من أبرز الشخصيات الوطنية الجولانية التي ساهمت بثورات أبناء الجولان ضد الاحتلال الفرنسي، والمجاهد أسعد كنج أبو صالح، وفرحان الشعلان، وعلي فرحات، وخزاعي وهبة أبو صالح، وحسن خاطر، ويوسف عماشة، وأسعد العاص، وزعل السلوم، وحافظ المسعود، ونمر الشحادة، ومظهور الشديد، وصايل العيسى، والضباط علي خلقي، ومحمد منيب ، ويوسف النحاس، وعبد الرحمن العلي، ومحمد عبد القادر، ومحمد علي الشعار، ومئات من جنود الجيش العربي الذين كان لهم دور بارز في انتصارات أبناء الجولان.

الحقد الفرنسي

وعندما احتلت فرنسا دمشق في ٢٥/ ٧/ ١٩٢٠، اجتمع المجلس الحربي الفرنسي بقيادة الجنرال غورو بتاريخ ٩/ ٨/ ١٩٢٠، وأصدر أحكاماً بالإعدام على الأمير محمود الفاعور، وأحمد مريود وغيرهم من المناضلين مما اضطر الأمير الفاعور عندما احتلت فرنسة القنيطرة آواخر شهر آب عام ١٩٢٠، للارتحال لشرقي الأردن، والإقامة بقرية عين رحوب مع كثير من الثوار الذين فروا لهناك.

وعلى الرغم من سياسة التنكيل والبطش والقتل التي انتهجها جيش الاحتلال الفرنسي، فقد استمر نضال أبناء الجولان ضد الاحتلال الفرنسي، وحاولوا كما ذكرنا قتل الجنرال غورو والمندوب السامي البريطاني بفلسطين بمعارك مجدل شمس وجباثا الخشب وحضر.

ومن جميل المصادفات التاريخية أن تكون محافظة القنيطرة أول محافظة تعلن الاستقلال عندما رفع الأمير شامان الفاعور علم الاستقلال فوق مبنى السرايا بمدينة القنيطرة، في الأول من حزيران عام ١٩٤٥، بعد استسلام الحامية الفرنسية هناك وانسحابها منها.