مجلة البعث الأسبوعية

بانوراما “برمانة المشايخ”… يكاد الصخر أن ينطق…

البعث الأسبوعية – وائل علي   

هناك وعلى بعد ستين كيلو متر شمال شرق مدينة طرطوس بين جبال ناحية “برمانة المشايخ” في منطقة الشيخ بدر الساحرة الخضراء التي يقترب ارتفاعها من الثمانمائة متر عن سطح البحر، وغاباتها البكر الطبيعية وكروم التين والزيتون وعرائش العنب البلدي والجوز والتفاح والتوت، ومساكب التبغ والتنباك البلدي راودت فكرة “مجنونة” خيال عدنان صفي الدين الخطيب لتنفيذ منحوتة صخرية طبيعية على نفقته الخاصة أراد فيها تجسيد نضال جده خليل الخطيب، وعدد من رفقاء الشيخ صالح العلي رجل الاستقلال الكبير الذي أطلق أول رصاصة في وجه المحتل الفرنسي في جبال الشيخ بدر وبرمانة المشايخ ووادي ورور والمريقب ووادي العيون والقدموس وبانياس، وغيرها من القرى المنتشرة في الجبال المحيطة، فعرض الفكرة على النحات علاء محمد الذي التقطها واشتغل عليها بشغف وحماس ليتمكن من تصميم وتنفيذ لوحة قياس 32*35 م وارتفاع 33.30*34.30م بأربعة وجوه بينهم جد صاحب الفكرة الذي يتوسط اللوحة، وشخص بالطول الكامل وبجواره رأس حصان ووجه أنثوي في رمزية شديدة الوضوح، متعاوناً مع مجموعة من التشكيليين والنحاتين البارزين بينهم نزار بلال ومحمد نقري وشوريش فان وباسل إبراهيم وسامر الروماني وحسن محمد ومحمد علي محمد آخرين من الذين أقاموا بشكل متواصل لمدة شهر في الموقع بعد تأمين مستلزمات الشغل والإقامة عام 2007 ليتولى “محمد” استكمال اللوحة التي انتهى منها عام 2008 بعد عمل مضن لم ينقطع استمر على مدى نصف عام تقريباً وصولاً للشكل الذي هي عليه الآن ولازال هناك بعض الأفكار القائمة التي تنتظر التنفيذ ولا تزال قائمة على ما يبدو لتتحول المنحوتة لعمل فني وطني فريد استحوذ على الاهتمام والمتابعة منذ أول ضربة إزميل جعلت الحجر يكاد أن ينطق.

وقد أصبح موقع البانوراما مكاناً مفضلاً يتربع على رأس قائمة الزيارات الرسمية والشعبية والرحلات واللقاءات الإعلامية والتحقيقات الصحفية والتلفزيونية المحلية والعربية والدولية.

والحقيقة أن فرادة اللوحة الصخرية تكمن في الانسجام والتناغم مابين الطبيعة الجبلية البهية وتلك الأنامل التي طوعت الصخر وجعلته يلين بطرق أزاميل النحاتين الكبار المشاركين في صنعها وولادتها من خاصرة الصخر.

ولعل أهمية اللوحة تنبثق من ندرتها التي لا مثيل ولا شبيه لها في المنطقة العربية -أغلب الظن – ولا يضاهيها عمل مسبوق إلا تلك اللوحة النحتية الصخرية  الذائعة الصيت التي تجسد وجوه أربعة من الرؤساء الأمريكيين على قمة أحد الجبال التي جمعت بين جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وتيودور روزفلت وأبراهام لنكولن…

ولا ننسى بطبيعة الحال أن فرادة بانوراما برمانة المشايخ استلهمت روعتها وخصوصيتها من التاريخ الذي يعشش في تلك القلاع الطبيعية الشامخة والشخوص الحقيقيين الذين سكنوها وتنقلوا بين دروبها الوعرة الصعبة والطبيعة القاسية حيناً، وثنايا أحضان أشجارها الوارفة وينابيعها المتدفقة وأنهارها العذبة الرقراقة حيناً آخر. وقبل هذا وذاك العنفوان والإباء والتحدي ورفض المحتل المتجسد في شخصية السوريين ، استولدت جملة المعطيات عملاً نحتياً بارعاً بديعاً، ولا يمكن أن ننسى أبداً تصميم وهمة وصبر النحاتين الذين قاوموا وتحملوا الصعاب والمخاطر وقساوة العمل حتى تمكنوا من إخراج لوحة بانورامية إبداعية نادرة ستجعل التاريخ يحكي والأجيال تروي أنهم مروا وعبروا من هنا وتركوا بصمتهم وتوقيعهم…