دراساتصحيفة البعث

“الإبادة” لن تمرّ دون ثمن.. بكتيريا عنيدة وملوّثات فطرية تنتشر في صفوف الصهاينة

طلال ياسر الزعبي

لا شك أن جريمة الإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني هي جريمة مكتملة الأركان، ليس فقط بعد عملية طوفان الأقصى البطولية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وإنما ذلك ابتدأ من الحصار الصهيوني الصارم على قطاع غزة منذ أكثر من 16 عاماً، حيث تصرّ “إسرائيل” على جعل قطاع غزة المحاصر سجناً مفتوحاً لأكثر من مليوني فلسطيني في الهواء الطلق، وتمنع عنه جميع أشكال الحياة من مياه نظيفة ودواء وغذاء، وتصرّ على جعل الحياة فيه جحيماً.

والآن وبعد إعلان “إسرائيل” الحرب على القطاع المحاصر، لم يوفّر جيشها سبيلاً من سبل الحياة لسكان القطاع إلا وتعمّد القضاء عليه، حيث قام بتدمير المنازل فوق رؤوس ساكنيها، والكنائس والمساجد ومدارس الأونروا التي كان يعدّها الناس ملاذهم الأخير من القصف، وذلك في جريمة حرب واضحة، ولم يكتفِ بذلك بل عمد إلى استهداف المشافي بحجج وذرائع واهية، حيث ادّعى أن فصائل المقاومة تقوم بتخزين السلاح داخلها، وقد ثبت كذب هذه الرواية بكل المقاييس.

على أن الأخطر في كل ذلك أنه عمد إلى استهداف المشافي بكل ما تحويه من مواد كيميائية مستخدمة في المخابر، والأقسام الوبائية في هذه المشافي، فضلاً عن استهدافه شبكة الصرف الصحي في القطاع، وذلك أن الحرب التي يشنّها أراد منها إنهاء جميع مقوّمات الحياة في القطاع، وتهجير السكان إلى خارجه.

هذا العمل الممنهج على تدمير جميع أشكال الحياة في القطاع، قابله الفلسطينيون بمزيد من الصمود في أرضهم والتمسّك بخيار المقاومة خياراً وحيداً للتحرير والعودة إلى أرضهم التي اغتصبها الصهاينة، وهذا ما أجبر الكيان الصهيوني على الدخول براً إلى القطاع، حيث كان المقاومون ينتظرونهم تحت ركام المباني والمدارس والمشافي المدمّرة، فتحوّلت الحرب في الداخل إلى حرب عصابات لا يتقنها فعليّاً إلا أصحاب الأرض الحقيقيون، حيث يقوم المقاومون باستهداف جنود الاحتلال داخل المباني التي تحصّنوا فيها في الأماكن ذاتها التي سبق للطيران الصهيوني أن دمّرها على رؤوس ساكنيها.

ومع استخدام الكيان الصهيوني الأسلحة المحرّمة دولياً كالفوسفور الأبيض واليورانيوم المنضّب، وحتى البارود بكميّات هائلة، حيث قُدّر ما تمّ إسقاطه على القطاع حتى الآن من القذائف بقوة أربع قنابل ذرية، مع ما خلّفه ذلك من جثث تحت ركام الأبنية تفسّخت وانتشرت روائحها في كل مكان، كل ذلك يعدّ سبباً رئيساً لانتشار الأوبئة والأمراض المعدية على طول القطاع المدمّر، وبالتالي ليس غريباً أن تعلن هيئة البث الإسرائيلية أنّ جنوداً إسرائيليين لقوا مصرعهم داخل المستشفيات بسبب إصابتهم ببكتيريا قاتلة، وذلك خلال علاجهم من إصابات أثناء القتال في قطاع غزة.

وأعلن “الاتحاد الإسرائيلي لأطباء الأمراض المعدية” اكتشاف أنواع مختلفة من البكتيريا العنيدة والملوّثات الفطرية بين الجنود الذين أصيبوا خلال القتال في قطاع غزة وعادوا لتلقّي العلاج في المشافي الإسرائيلية، حيث نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية عن البروفيسورة غاليا راهف قولها: “وصلتنا معطيات من كل المشافي الإسرائيلية التي قدّمت العلاج للجنود الذين أصيبوا خلال القتال في غزة تشير لحملهم أنواعاً مختلفة من البكتيريا العنيدة والملوّثات الفطرية وهي البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية”، عازية ذلك إلى الاحتكاك مع الأرض والوحل هناك الذي يؤدّي إلى التعرّض للعديد من أنواع البكتيريا، وكذلك لحالات العفن.

ومضت قائلة: “لم نشهد مثل هذه الحالات في السابق خلال الحروب الماضية”، وهو ما ينعكس على مدة علاج الجنود الجرحى وضرورة التدخل الجراحي في بعض الأحيان من أجل إزالة طبقة الأنسجة المصابة، وربّما شكّل ذلك اعترافاً ضمنيّاً بأن هذا النوع من البكتيريا كان معروفاً سابقاً لدى الجهاز الطبي الإسرائيلي الذي على ما يبدو لم يقدّم أيّ شيء في سبيل مكافحته، ما دام يشكّل عامل إبادة بطيئاً لسكان القطاع.

وأدّى حصار الاحتلال للمستشفيات وإطلاق النار المباشر عليها والقذائف في محيطها، إلى تدمير مولدات الكهرباء وخزانات المياه؛ ما أدّى إلى خروج العديد منها من الخدمة ووفاة بعض المرضى متلقّي الرعاية وأطفال الحضانات، وإعاقة نقل مصابي القصف إليها لإنقاذ حياتهم، في ظل منع الاحتلال مغادرة أو دخول أحد من وإلى المستشفيات، وبالتالي كان هناك إصرار واضح على قتل المرضى وترك جثثهم في الأرض حتى تكون مصدراً واضحاً للأوبئة التي أريد منها أن تكون سلاحاً فتاكاً لسكان القطاع.

كل ذلك بالإضافة إلى ما قالته منظمة “هيومن رايتس ووتش”، من أن الحكومة الصهيونية تستخدم تجويع المدنيين أسلوباً للحرب في قطاع غزة، ما يشكّل جريمة حرب، كما أن الجيش يعرقل عمداً المساعدات الإنسانية، حيث تحرم “إسرائيل” سكان غزة من الغذاء والمياه، بغرض تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، وذلك يعدّ جريمة حرب بموجب “اتفاقية جنيف الرابعة”، حيث من واجب القوة المحتلة ضمان حصول السكان المدنيين على الغذاء والإمدادات الطبية.

فالأمر إذن، هو أن الحكومة الصهيونية بزعامة بنيامين نتنياهو تتعمّد صناعة كارثة إنسانية بكل المقاييس في قطاع غزة المحاصرة، لجعله مكاناً غير صالح للحياة البشرية، وذلك عن طريق استخدام المواد المحرّمة دولياً وقصف المستشفيات وتدمير شبكات المياه والصرف الصحي والتجويع، مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر انتشار الأوبئة في القطاع، وبالتالي فإن الأمر هناك أصبح شبيهاً بحرب بيولوجية منظّمة تشنّها “إسرائيل” على المدنيين الذين أصبحوا على تماسٍ مباشر مع جنود الاحتلال، فضلاً عن أن مساحة القطاع الصغيرة نسبياً تجعل جميع المناطق المتاخمة له عرضة لجميع المؤثّرات القادمة منه بفعل عوامل المناخ والرياح، وهذا كله يشكّل سبباً قويّاً لانتشار الأوبئة في المكان على نطاق واسع، فضلاً عن أن استخدام اليورانيوم المنضّب والفوسفور الأبيض لن ينحصر تأثيره في المكان ذاته، هذا إن لم يكن كيان الاحتلال ذاته قد طوّر برنامج حرب بيولوجية ضد سكان القطاع فانقلبت أوبئة وبكتيريا عنيدة وفطريّات سامة في صفوف قواته.