صحيفة البعثمحليات

حراجنا وغاباتنا وصلت مرحلة “الوقاية”… فهل من إجراءات تنقذها على أرض الواقع؟

دمشق- زينب محسن سلوم

تجتهد وزارة الزراعة مؤخراً في التركيز على العديد من الخطوات في مضمار المحافظة على الحراج وغطاء الغابات في سورية، ولكن التساؤلات ما زالت ماثلة حول وجود الضمانات الحقيقية على أرض الواقع، وعن الخطط المحكمة أو الآليات الكفيلة بتطبيق ما تمّ التوصل إليه على الصعيدين القانوني والزراعي بيّن الدكتور فايز المقداد معاون وزير الزراعة والاستصلاح الزراعي في حديث لـ”البعث” أن هناك مساعي حثيثة من قبل الوزارة في موضوع المحافظة على الحراج، لافتاً إلى أن صدور القانون رقم 39 لعام 2023 يمثل أهم الخطوات، إذ يهدف إلى الحفاظ على الحراج وحمايتها بالتشاركية مع المجتمع المحلي، والاستفادة من مصطلحات جديدة عبر إدخالها في العمل الحراجي.
وأضاف المقداد: إن هذا القانون واضح وصريح ويهدف لإنقاذ حراجنا وغاباتنا مما وصلت إليه من واقع وصفه بـ”الأليم”؛ فمساحات الحراج لا تتعدى الـ527 ألف هكتار، 230 ألف هكتار منها غابات طبيعية، وهي للأسف مختلفة الكثافة لجهة الأشجار، حيث تتركز الغابات في المناطق الساحلية ومنطقة الغاب وإدلب، وقد شهدت منذ مطلع القرن العشرين تراجعاً هائلاً، إذ كانت تشكل 15% من مساحة القطر، في حين لا تشكل أكثر من 3% في الوقت الحالي، وهي نسب تقلّ عن بعض الدول الصحراوية التي تعاني الجفاف وقلّة المياه كالإمارات، حتى إن حصة المواطن السوري من الغابات هي 300 متر مربع، في حين يشير متوسط المعدل العالمي للفرد إلى حصة من الغابات لا تقلّ عن 6 آلاف متر مربع، وبالتأكيد فإن ذلك باتت أسبابه معروفة ولا تحتاج للشرح الكثير، وأصبحنا أمام أضرار مركبة لتراجع وحرائق الحراج، مثل تهديد النظم البيئية والحيوية التي كانت موجودة في الغابات والحراج منذ آلاف السنين وربما لا يمكنها التجدّد حالياً، وتراجع التربة والمياه الجوفية.
ولفت معاون وزير الزراعة إلى أن الغابات الساحلية في اللاذقية هي الأكثر أهمية وتقدّر مساحتها بـ85 ألف هكتار وتشكل 30% من حراج سورية، لأنها الأكثر كثافة ونموذجية وتكاملاً وتحوي مساقط مياه، ومع ذلك هي الآن الأكثر تهديداً نتيجة كثرة التعديات، وقد شهدت في عام 2023 عدد ضبوط هو الأعلى نتيجة تشديد الضابطة الحراجية والإجراءات بحق المخالفين والمتعدين عليها.

وحول إجراءات ترميم خسائر الحرائق في حراج اللاذقية وتعويض المتضررين، بيّن معاون الوزير أن خطة التحريج السنوي تقدّر بـ900 هكتار في اللاذقية، 500 هكتار منها يجب أن تنفذ قبل آذار القادم، وسيتمّ تأمين الشتول من عدة مشاتل مختصة حسب الصنف والنوع الملائم لكل منطقة أو موقع حراجي. وفيما يتعلّق بالتعويضات بيّن المقداد أنه تمّ فعلياً البدء بتوزيعها على جميع المستحقين شريطة استكمالهم للثبوتيات والإجراءات القانونية، حيث تمّ تخصيص كتلة 7 مليارات ليرة مودعة في الصندوق، وذلك لتعويض مالكي الأشجار المتضررة وخلايا النحل والخضار وغيرها من الأملاك الزراعية التي تمّ حصرها أصولاً، فضلاً عن تقديم آليات للمساعدة في استصلاح الأراضي المتضررة مجاناً بهدف تخفيف الأعباء على المزارع والفلاح.

وبالعودة للصعيد القانوني، بيّن معاون الوزير أنه بعد حرائق عام 2020 كانت الأضرار كارثية، ما أدى لتنبّه وزارة الزراعة إلى ضرورة مراجعة خططها لتنمية الغطاء النباتي ومراجعة الإطار القانوني الناظم للحراج والغابات، مشيراً إلى أن القانون رقم 39 صدر في وقت حرج بهدف زيادة مساحة الحراج وتنميتها تنمية مستدامة والحفاظ عليها، ومنع الاستثمار الخشبي للحراج تحت أي ظرف كان، لأنه تمّ اعتبار غاباتنا في حالة “وقائية” أي أنها وصلت إلى أعلى مراحل الخطورة نتيجة نزيف الحراج، مبيناً أن القانون تشدّد كثيراً في موضوع العقوبات، حيث تمّ تحويل العديد من العقوبات إلى عقوبات أعلى ورفع الغرامات وتحويل المخالفات إلى جنح، والجنح إلى جنايات وفقاً لمدى خطورة المخالفات المرتكبة على الأشجار أو التربة أو المواد المنجمية ضمن الحراج.

وتابع المقداد: إن هذا التشدّد نابع من مسوغات وموجبات إصدار هذا القانون الهادف إلى حماية الثروة الحراجية، وعدم السماح بتقلّص رقعتها أكثر مما هو حاصل، فكان من الأجدى فرض أقسى العقوبات بحق المخالفين والمتعدين لردعهم بعقوبات تدرّجت من الغرامة التي تمّ تكثيف فرضها مع معظم المخالفات والجرائم، مروراً بالحبس التكديري والجنائي، وصولاً إلى أقصى العقوبات القانونية الموزعة على نحو عشرين مادة ضمن القانون الجديد.

وأوضح الدكتور المقداد أن من أهم ما جاء به القانون الجديد هو منع استخدام الأراضي الحراجية لأي استخدامات أخرى حتى لو تعرّضت للحريق، حيث يتمّ وضع شارة حريق عليها لمنع التصرّف بها لأي غاية أخرى، ويتمّ الانتظار لمدة عامين حتى تتجدّد تلقائياً، وفي حال عدم تجدّدها يتمّ الكشف عليها من لجنة علمية من وزارة الزراعة والجامعات لتقرّر شكل التدخّل البشري لتجديدها عبر فرق التربية في الوزارة، لأنه من حيث المبدأ التدخّل فيها ممنوع حتى تنمو مجدّداً بشكل تلقائي.

وحول تساؤلنا عن وجود مخاوف أو هواجس لدى البعض عن موضوع حرم الحراج وامتداده، وفيما إذا كان سيشكل تدخّلاً في الملكية الخاصة، أشار المقداد إلى أن حرم الحراج يمتد على مساحة 200 متر خارج المواقع الحراجية، وألف متر خارج المحميات، مؤكداً أن الملكيات الخاصة مكفولة ولا يمكن المساس بها بأي شكل، فللمالكين ممارسة أنشطتهم الخاصة ضمنها شريطة عدم الإضرار بالحراج أو التسبب في أذيتها، كما أضاف: إن الممنوعات ضمن الحراج تمتد على قائمة طويلة لكنها ليست خارجة عن المألوف مثل عدم إقامة منشأة ثابتة ضمن المحميات أو عدم إضرام النار أو إقامة مكبات النفايات فيها ومنع الرعي ومنع تخصيصها للزراعة.
وبخصوص المحميات بيّن معاون الوزير أنها أربعة أنواع، وفق القانون الجديد حسب الغرض منها، فمنها ما يحتاج إلى الرعاية والحماية لأنها تمثل أنظمة بيئية متدهورة بالتنسيق مع وزارة الإدارة المحلية والبيئة، وهناك أيضاً مواقع للتنزّه تخضع للإشراف والرعاية بالتعاون مع وزارتي الإدارة المحلية والسياحة، وتحتاج إلى نظم إدارة خاصة وتجهيزات تتلاءم مع السياحة البيئية.