دراساتصحيفة البعث

المعايير المزدوجة بين أوكرانيا وغزة

هناء شروف

لا تصحّ المقارنة مطلقاً بين الحرب الروسية الأوكرانية إن صحّ التعبير، والعدوان الإسرائيلي على غزة، إن من حيث الضحايا أو من حيث توازن القوة، فقد حصد العدوان الصهيوني أرواح الآلاف وتسبّب في دمار هائل في البنى التحتية، وذا ما كشف المعايير المزدوجة التي يتبعها السياسيون الغربيون فيما يخص التعاطي مع الحالتين.

فقد ظهر التناقض واضحاً في قاعة المؤتمرات الإخبارية بالبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ بفرنسا في خطابات زعماء الجماعات السياسية، حيث أدان مانفريد ويبر رئيس حزب الشعب الأوروبي، وهو أكبر مجموعة سياسية في البرلمان الأوروبي، روسيا مراراً وتكراراً وأعرب عن دعمه لأوكرانيا، في حين دافع عن حق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها دون أن يكلف نفسه عناء ذكر العدد المرتفع إلى حدّ مثير للقلق من الوفيات بين المدنيين الفلسطينيين.

لقد قُتل أكثر من 24 ألف فلسطيني أغلبيتهم من الأطفال والنساء منذ 7 تشرين الأول، وقالت منظمة أوكسفام: إن 250 فلسطينياً في المتوسط يُقتلون كل يوم، أي أكثر من أي صراع آخر في القرن الحادي والعشرين.

وقد تجاهل القادة الغربيون، من الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، العدد الكبير من الضحايا الفلسطينيين في خطاباتهم ما يعكس استهتارهم التام بحياة الفلسطينيين، حتى إن بايدن شكك في دقة عدد القتلى في قطاع غزة وهي الأرقام التي قبلتها وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة.

يرى بعض الساسة الغربيين أن الصراعين مختلفان تماماً في طبيعتهما ويقولون: إن “العملية العسكرية الخاصة” التي قامت بها روسيا في أوكرانيا لم تكن مبرّرة ولم يذكر القادة الغربيون ووسائل الإعلام الغربية أبداً حقيقة أن التوسّع العدواني لحلف شمال الأطلسي منذ التسعينيات ورسائل الردّ المتعجرفة التي أرسلوها إلى روسيا في كانون الثاني 2022 مسؤولة إلى حدّ كبير عن إثارة الصراع.

أما بالنسبة لغزة، فقد قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: إنه من المهم الاعتراف بأن هجمات حماس لم تحدث من فراغ، حيث يتعرّض الشعب الفلسطيني منذ ـ 56 عاماً للاحتلال الخانق. وكان غوتيريش يشير إلى احتلال “إسرائيل” للضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 1967، وبالإضافة إلى ذلك فإن معاملة “إسرائيل” للشعب الفلسطيني غير قانونية وغير إنسانية.

لا يرفض القادة الغربيون إدانة الجرائم التي يرتكبها من يسمّون حلفاءهم وشركاءهم فحسب، بل يحاولون أيضاً تبييضها كما يتضح من إعلان ألمانيا أنها ستدافع عن “إسرائيل” في محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد اتهام جنوب إفريقيا لها. وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك: إن “إسرائيل تهتم بسكان غزة والفلسطينيين”. وباستخدام المنطق نفسه ينبغي لها أن تقول: إن روسيا تهتم بالأوكرانيين.

لا يتردّد الأشخاص مثل بيربوك في إدانة روسيا واستخدام كلمات مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية كلما شنّت روسيا هجوماً على أوكرانيا، لكنهم لم يستخدموا أبداً مثل هذه الكلمات لوصف القصف الإسرائيلي العشوائي في غزة الذي تسبّب في مقتل عشرات الآلاف من المدنيين مقارنة بأوكرانيا التي اقتصرت خسائرها تقريباً على العسكريين في الجبهة.

إن التطبيق الانتقائي للقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة واستخدام النظام القائم على القواعد من المجموعة الصغيرة التي نصّبت نفسها “المجتمع الدولي” ليس من الممكن أن يكون أكثر ترويعاً في حالة الفظائع التي ارتكبت في غزة. ولا عجب إذن أن يقول بعض المحللين الغربيين: إن أزمة غزة كشفت عن الإفلاس الأخلاقي للغرب. وينعكس هذا في الغضب الشعبي المتزايد ضد الزعماء الغربيين بسبب موقفهم من العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين.

لقد أظهر الإضراب الذي نظمه موظفون اتحاديون أمريكيون من حوالي عشرين وكالة، تحت شعار “الفيدراليون المتحدون من أجل السلام”، أن العديد من الأشخاص ما زالوا على استعداد للمخاطرة بوظائفهم للاحتجاج ضد الحكومة التي يعملون بها. وأظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز بالتعاون مع كلية سيينا الشهر الماضي أن ما يقرب من 75% من الناخبين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً لا يوافقون على طريقة تعامل بايدن مع الصراع في غزة.

في أيامنا هذه يدين القادة والساسة الغربيون الأشخاص الذين يكرهونهم ويصنّفونهم على أنهم إرهابيون، ولكن خطابهم أصبح أجوف إلى الحد الذي جعل المليارات من البشر في الجنوب العالمي لا يأخذونهم على محمل الجدّ بعد الآن.