ثقافة

كتب الرحلات عند العرب

لقد ازدهرت العلوم الجغرافية العربية بشكل كبير في القرون الوسطى، وقام بعض الجغرافيين العرب بتدوين ما توصلوا إليه من مشاهدات ومعارف في كتب ومعاجم وموسوعات جغرافية. فخلال فترة ازدهار الحضارة العربية انتشر الرحالة العرب وكتبوا مشاهداتهم عن الأمكنة التي زاروها، وتحولت بعض هذه المشاهدات إلى كتب ذائعة الصيت بسبب قيمتها المميزة. حيث قام أحمد بن فضلان في القرن العاشر الميلادي برحلة شهيرة إلى آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية، تضمنت بلاد الترك والخزر والصقالبة والروس والدول الاسكندينافية، وتعد من أمتع الرحلات وأغربها، وتكاد تكون أقدم رحلة قام بها عربي إلى أقاصي تلك البلاد. وقد روى ابن فضلان ما حدث له وما شاهده بأسلوب سهل ومشوق ضمن ما يُعرف بـ (رسالة ابن فضلان). الذي قدم في رسالته صورة حية للظروف السياسية في العالم الإسلامي والعلاقات بين الأمة الإسلامية والبلاد المجاورة لها في أواسط قارة آسيا. كما ينقل ابن فضلان العادات والتقاليد والحياة والأخلاق في ذلك العصر في مختلف المناطق التي أقام فيها أو مرَّ بها، فالرسالة قدمت مادة متنوعة ونادرة ومفيدة لشعوب وقبائل لم يكن العرب يعرفون عنها شيئاً، بل لم يكن العالم يعرف عنها الكثير. إذ اهتمت رسالة ابن فضلان بالقبائل التركية البدوية الضاربة في آسيا الوسطى، بالإضافة إلى الشعوب التي كانت تلعب آنذاك دوراً أساسياً في تاريخ أوروبا الشرقية كالبلغار والروس والخزر، فقد حدثتنا الرسالة عن خصائص وعجائب بلاد البلغار بالإضافة إلى عادات الخزر الغريبة.
غادر الجغرافي والرحالة والشاعر الأندلسي ابن جبير غرناطة في القرن الثاني عشر ميلادي  لتأدية فريضة الحج، وقد طاف خلال الرحلة بلاداً كثيرة، وقد قامت شهرته على كتابه الذي دّون فيه أخبار رحلته الأولى إلى الحج في شبه مذكرات يومية، تعرف باسم (تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار)، وقد اشتهر الكتاب فيما بعد باسم الرحلة. ويعد من أهم مؤلفات العرب في الرحلات، فهو تحفة رائعة تضم الحياة بكل تجلياتها في المشرق والمغرب، وقد قام المستشرقون فيما بعد بترجمته نظراً لقيمته النفيسة والعظيمة. يصف ابن جبير في كتابه المدن والأقطار التي مر بها والمصاعب والمخاطر التي تعرض لها، كما يقدم لنا معلومات عديدة حافلة بالحياة عن السكان الذين عاش بينهم. كل ذلك بأسلوب جميل لا مثيل له، فقد كان ابن جبير دقيق الملاحظة سهل العبارة واضح الأسلوب، وقد أثر في كثير من الكُتّاب الذين جاؤوا بعده. بينما الهروي الموصلي – المتوفي في حلب 611 هجري –  فقد ارتبطت حياته بالشطر الغربي من العالم الإسلامي، حيث طاف في العراق وبلاد الشام واليمن والحجاز ومصر وبلاد الروم وجزر البحر المتوسط حتى صقلية، وتنقل في مساجدها ومزاراتها وخالط أهلها. فهو قضى معظم حياته في التجوال حتى لقب بالسائح. كتب الهروي العديد من المؤلفات لعل أشهرها (كتاب الإشارات إلى معرفة الزيارات)، وقد جاء في الكتاب ذكر لمئات من الأماكن الدينية المقصودة بالذات من التأليف، لكن الهروي كان يضيف بين حين وآخر فوائد تاريخية وملاحظات عامة.     والختام مع شيخ الرحالين العرب ابن بطوطة، فالرجل الذي يقضي ثمان وعشرين سنة من حياته يتنقل في أرجاء العالم المعروف، ويقطع في أسفاره ما لا يقل عن مئة وعشرين ألفاً من الكيلومترات أو ما يعادل ثلاث مرات محيط الكرة الأرضية، يستحق أن يلقب بشيخ الرحالين العرب، أو أمير الرحالين المسلمين. وقد وصلنا سرد لقصة أسفار ابن بطوطة على شكل كتاب عنوانه (تحفة النظار في عجائب الأمصار) الشهير بكتاب (رحلة ابن بطوطة). وقد نال الكتاب شهرة كبيرة وترجم إلى لغات عدة. لهذا الكتاب أهمية فائقة في التعرف على العالم بشكل عام والعالم العربي والإسلامي بشكل خاص في القرن الرابع عشر الميلادي، ففي الكتاب نجد معلومات تاريخية دقيقة ومفيدة ولاسيما تلك المتعلقة بعقائد السكان وسجاياهم وعاداتهم وأخلاقهم.
رانية شمسين