ثقافة

بصمة شبابية

سلوى عباس

في بداية الحرب على سورية ترددت أحاديث كثيرة عن الخطر الذي ينتظر الدراما السورية بسبب مغادرة عدد من فنانيها خارج سورية، في إشارة إلى أن هذا الغياب ربما يؤثر على بنيتها ومستقبلها كونهم يشكلون رافعة رئيسية لها، لكن سورية الشامخة بحضارتها على مر التاريخ، أسست مكانتها التاريخية عبر معطيات كثيرة بوأتها هذا الموقع الهام، الذي يمثل السبب الرئيسي في الهجمة الشرسة التي تواجهها.
أما موضوع هجرة بعض الفنانين خارج سورية، كما سماها البعض، حينها، فقد أُعطي أكثر مما يستحق لأن من يبحث في تاريخ الدراما السورية منذ بدء تأسيسها حتى الآن يكتشف أن هذه الدراما، أو الفن السوري بشكل عام أثبت هذا الحضور عبر رواده الأوائل الذين قدّموا الكثير من التضحيات حتى أوصلوه إلى هذه المكانة الراقية، وتابعوا مشوارهم حتى حقّقوا رسالتهم النبيلة التي نذروا أنفسهم من أجلها، وهؤلاء باعتقادنا هم رهاننا الحقيقي، بل يمثلون حتى الآن الرافعة الفنية والفكرية للدراما ماضياً وحاضراً، من خلال مشاركاتهم التي لا تزال حاضرة تجذب الكثير من المشاهدين لمتابعة عمل ما لمجرد مشاركة أحدهم فيه.
وحسب صنّاع الدراما السوريين حينها، فإن غياب من يسمّون مجازاً “كبار الدراما السورية” سوف يتيح فرصاً كثيرة ونوعية لوجوه شابة من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية في الأعمال الجديدة التي ستنتج، إلى جانب من تبقّى من الفنانين المعروفين الذين رفضوا مغادرة البلاد معتبرين بقاءهم فيها واجباً وطنياً يشكّل دعماً لدراما بلادهم.
وإذا كانت الاستعاضة عمّن يعتبرون نجوم الصف الأول بالوجوه الشابة، فإن هذا الغياب أتاح لهؤلاء الشباب أن يظهروا مقدراتهم الفنية، وهذا مانراه في أعمال الموسم الرمضاني الحالي، حيث هناك أكثر من ممثل وممثلة حقق بصمة، وعلامة فارقة في الشخصيات التي جسدوها في هذه الأعمال بمختلف أنواعها “كوميديا، بيئة، اجتماعي….”، بغض النظر عن مساحة الدور الذي يؤدونه، ومن الصعب في هذه الفسحة القصيرة أن نفي هذه الشخصيات حقها، فالجميع أثبتوا تكاملية الدور بين الفنانين المخضرمين والجيل الشاب، الذي عبّر عن شغفه بالفن بشكل عام وليس في الدراما التلفزيونية فقط، التي تتيح لهم فرص عمل أكثر يستطيعون من خلالها تأمين حياتهم المعيشية، حيث العائد المادي أفضل مما يُعطى في باقي الفنون. ورغم أن الموسم الدرامي لازال في بدايته، إلا أن الفنانين الشباب أثبتوا حضورهم إلى جانب أصحاب التاريخ الفني الطويل، وهذا تأكيد على الفائدة التي حصلوا عليها هؤلاء الشباب من خبرة الكبار وتجربتهم، وأن غياب من أطلق عليهم لقب “الصف الأول” أتاح لهم أن يثبتوا موهبتهم وامتلاكهم لأدواتهم الفنية التي لا تقل عن موهبة الفنانين الكبار، كما رفدوا درامانا بدماء جديدة تبقيها متجددة، وهذا إن دلّ على شيء إنما يدل على مصداقيتهم وإيمانهم برسالة الدراما، فالدراما مستمرة بروادها ومؤسسيها والغيورين على مكانتها العالية.