ثقافة

“احتيال أمريكي” فضح فساد المجتمع الأمريكي بسخرية لاذعة

لاقى الجزء الثاني من مهرجان أفلام حديثة جداً في دار الأوبرا صدى لدى مختلف الشرائح وخاصة الشباب، ورغم جمالية الأفلام المنتقاة بدقة إلا أنه كان للمكان (دار الأوبرا) دور كبير في استقطاب الجمهور ونشر الثقافة السينمائية ،ومن الأفلام الأخيرة التي أُدرجت ضمن نشاطاته فيلم “احتيال أمريكي” الذي حاز على عدة جوائز عالمية والمرشح الأقوى للأوسكار ،وقد استحوذ على نسبة مشاهدة عالية جداً ،ويأتي بتوقيع المخرج ديفيد أوراسل الذي اشترك في كتابة السيناريو مع الكاتب إيريك سينجر، جمع بين الكوميديا والتراجيديا وتمكن بمساره الساخر اللاذع والمثير من مقاربة المجتمع الأمريكي والتعرض بجرأة لمحاربة الفساد ،من خلال فضيحة أحداث حقيقية حدثت فعلاً في أواخر السبعينيات وطالت القبض على بعض أعضاء الكونغرس بتهمة تقاضي الرشوة والاختلاس.
بُني الفيلم على أحداث حبكة فيها جزء كبير من الأحداث المفتعلة والمتخيّلة درامياً تجمع بين خطوطها المتشعبة الأبعاد السياسية والاجتماعية والعاطفية ،تلخص جميعها مقولة الفيلم الدائرة حول الاحتيال الذي يبدأ من الاحتيال على الذات لتستمر الحياة وعلى الآخرين للتواصل معهم ،ومن ثم على المجتمع ككل، وكيفية إحكام قبضة السلطات الفيدرالية على إلقاء القبض على بعض أعضاء الكونغرس الأمريكيين لمحاربة الفساد ،في حين يبقى المحتالون زعماء المافيا والمنظمات أحراراً يحتالون على الناس ويسرقون الأموال بكل السبل ويقومون بعمليات تبييض رؤوس الأموال، والحدث الأساسي في الفيلم هو إيضاح العلاقة التي تربط بين الشيوخ العرب بالسياسيين الأمريكيين وزعماء المافيا .الشخصية الأساسية فيه هو إرفينغ (كريستيان بيل) الذي يتوضح من خلاله معنى الاحتيال يقوم ببيع اللوحات المزوّرة ويملك عدة مصابغ لكن ثراءَه جاء من الاحتيال على الآخرين بإعطائهم قروضاً وهمية ،يتعرف إلى سيدني (آمي آدمز) التي امتلكت القوة لتغيير واقعها وانتشال نفسها من الأعمال المنحطة ،ليدخل المخرج خطاً عاطفياً ساخناً من علاقة الحب الحميمة التي تجمعهما ووظّف الموسيقا لإغناء المشاهد الرومانسية مثل مشهد رقصهما في الحديقة، والمفاجأة أن سيدني تصبح شريكته في أعمال الاحتيال ،يتغير المسار الدرامي حينما يتم القبض عليهما ويطلب منهما المحقق ريتشارد العمل مع السلطات الفيدرالية لتنفيذ أربع عمليات لمحاربة الفساد مقابل براءتهما. وتبدأ الخطة من الإيقاع بعمدة نيوجرسي لتتصاعد الأحداث من خلال قدوم شيخ عربي من (أبو ظبي)، يصبح المحور الأساسي في الفيلم إذ يتم الإيقاع ببعض أعضاء الكونغرس الأمريكي الذين ارتشوا مقابل تسهيلات منحه الجنسية الأمريكية لإقامة مشروعات استثمارية ضخمة لمنتجعات وكازينوهات ،ويلتقي أيضاً أحد زعماء المافيا للشراكة معه، هذه الحبكة المباشرة تكشف الأساليب التي يتبعها المحتالون بالتعاون مع السلطات الفيدرالية فكل مظاهر الثراء مزيفة والرجل العربي شخصية وهمية فهو ينتمي إلى أصول مكسيكية، ويتمكن المخرج من إقناع المشاهد بتنفيذ الخطة وبالتصوير الخفي للأعضاء وهم يتناولون الحقائب المحمّلة بالأموال ،وتكشف اللعبة أيضاً فساد العمدة كريمان الذي ينادي بإقامة مشروعات تنموية وهو مختلس ،في الجزء الأخير من اللعبة يحتال إرفينغ برفقة سيدني على ريتشارد بإيجاد مكتب وهمي لمحامي زعيم إحدى منظمات المافيا ويستأجر أشخاصاً يؤدون أدوار الشخوص الحقيقيين ،ليقع ريتشارد ضحية احتيالهما بعد دفع مبلغ مليوني دولار مأخوذة من مصلحة الضرائب لتنفيذ العملية. وفي منحى آخر يجسد المخرج صوراً مختلفة لمفهوم الاحتيال الاجتماعي من خلال علاقة سيدني بإرفينغ وفي الوقت ذاته يتمسك بزوجته الجميلة روزالين وبابنها الذي تبناه، ودموع روزالين التي تغالي بزينتها والاهتمام بجمالها وهي تخفي انكسارها الداخلي لبعد زوجها عنها وخوفها من الطلاق .
في نهاية الفيلم  نرى إرفينغ يعيش مع سيدني بعيداً عن الزيف والاحتيال فيفتتحان معرضاً لبيع اللوحات ،وتقتنع روزالين بالطلاق لتعيش حياة أفضل مع رجل آخر ،ويبقى ريتشارد الخاسر الوحيد الذي يستبعد اسمه من نجاح العملية.
نجح المخرج في إيجاد أجواء مشابهة لنمط الحياة الدائرة في حقبة السبعينيات من حيث الأزياء والإكسسوارات والديكورات العامة ،وأقحم بقوة اللقطات الكوميدية الساخرة بين ريتشارد ورئيسه في العمل لتكون لغته واقعية بحتة لفضح المؤامرة.
ملده شويكاني