ثقافة

بعد العرض الخاص لـ “الأم” وقبل الانتهاء من تصوير “أهل الشمس” باسل الخطيب: ثلاثيتي السينمائية تحية مني للمرأة السورية في هذا الزمن العصيب

كعادته في كل أعماله التي يقدمها بدا المخرج باسل الخطيب واثقاً من أن فيلمه “الأم” والذي تابعه الجمهور مساء أمس بعرضه الأول الخاص لن يخيب ظن الجمهور السينمائي ولن يكون إلا بسوية  فيلمه “مريم” واعداً محبيه ومتابعيه بختام مسك لثلاثيته من خلال فيلم “أهل الشمس” الذي شارف فيه على الانتهاء من عمليات التصوير. وبيَّن في حواره مع “البعث” أن فيلم “الأم” يُعدّ الفيلم الثاني من ثلاثيته السينمائية التي بدأ العمل عليها منذ فيلمه الأول “مريم” والتي ستنتهي بفيلم “أهل الشمس” الذي مازال قيد التصوير حالياً.. ويوضح الخطيب أن كل فيلم من هذه الأفلام ورغم أن الموضوع واحد فيها يختلف اختلافاً كلياً عن الآخر سواء من ناحية الأحداث أو التركيب الفني أو المعالجة البصرية، مشيراً إلى أن الهدف من كل هذه الأفلام هو التركيز على مجموعة من الأفكار والقيم التي يأسف  لتراجعها في حياتنا في ظل المأساة التي نعيشها بحيث لم يعد لها الوقع والتأثير الكبير الذي كانت تتمتع به في السابق.
ولأن حالة اللامبالاة وعدم الاكتراث بما يدور حولنا هي واحدة من أكثر أزمات الإنسان كان من الضروريّ بالنسبة للخطيب أن يسلط الضوء على هذا الواقع من خلال فيلمه “الأم” موضحاً أن الإنسان المعاصر اليوم أصبح يعيش وهو يتجاوز أموراً حقيقية وجوهرية كثيرة، في حين أنه يجب التوقف عندها ليكون لنا فيها موقف واضح. من هنا يشير الخطيب إلى أن الفيلم يدعونا لأن نكون إيجابيين وفاعلين في الحياة تجاه الناس والأشياء والقيم لأن هذه السلبية سيكون لها تأثير سلبيّ كبير علينا، لذلك  كان من الضروري برأيه أن يدعو الجميع  من خلال  “الأم” للالتفاف حول الأمور الجوهرية والحقيقية في الحياة، موضحاً أن مفهوم الأم في العمل لا يشير إلى الأم المرتبطة فقط بالعائلة وإنما يتسع معناها لتصبح الوطن.

المرأة هي الخاسر
ولإيمان الخطيب الحقيقيّ بأن المرأة هي أصل الحياة وهي الأم والأخت والزوجة والحبيبة ولديها القدرة على التحمّل والتضحية أكثر من الرجل، وفي حالات كثيرة يستمد الرجل قدرته على الثبات  منها عندما يكون ضعيفاً. من هنا كانت المرأة القاسم المشترك لأفلامه الثلاثة “مريم- الأم- أهل الشمس” مؤكداً أن هذه الأفلام هي تحية موجهة منه للمرأة السورية في هذا الزمن العصيب لأنها  اليوم وفي ظل ما تمر به سورية هي الخاسر الأكبر والحقيقيّ  سواء كانت  أماً أو زوجة أو أختاً،  مبيناً أنه وأن بدا أنه يركز في أفلامه على المرأة التي تبدو للوهلة الأولى ضحية إلا أن الجمهور سرعان ما سيكتشف أنها البطل وليست الضحية، فالشخصيات النسائية في فيلم “مريم” مثلاً كانت تتعرض للمحن والأزمات وتبدو ضحية إلا أننا وأثناء تقييم الفيلم وبنظرة نهائية له نلاحظ أن كل شخصية من تلك الشخصيات قد تحولت إلى بطلة بكل معنى البطولة الإنسانية، أما القصة في “الأم” فيبين الخطيب أنها حكاية بسيطة جداً وهي مستمدة من قصة حقيقية كان الخطيب شاهداً عليها عبر السنتين الماضيتين وهي تتحدث عن أم تعيش وحيدة في القرية، تموت فجأة فيجد أولادها وبناتها صعوبة في العودة إلى القرية في هذه الظروف فيسلط الفيلم الضوء على المخاطر والصعوبات التي تواجههم للوصول إلى القرية ليكونوا موجودين في مراسم الدفن  والقيام بالواجب الإنسانيّ تجاه أمهم، مبيناً أن الفيلم رحلة في ذكريات هؤلاء الأبناء مع والدتهم الراحلة، وبنفس الوقت رحلة في العودة إلى القرية، ليتضح في النهاية أن الأم استطاعت حتى في لحظات موتها أن تجمعهم من جديد بعد أن  كانوا متفرقين دائماً.
“أهل الشمس” يتناول الأزمة
ولأن مأساتنا الإنسانية غير المسبوقة أصبحت جزءاً من يومياتنا وتفكيرنا وسلوكنا ومواقفنا، وقد  انعكست آثارها على كل ما يصدر منا، وباعتبار أن الخطيب يعمل في مجال يتاح له التعبير عن أفكاره ومواقفه كان لا بد له من تناول الأزمة في أفلامه رافضاً تأجيل الموضوع بحجة أن الوقت مازال باكراً على فعل ذلك، لذا يرى أن الفرصة مهمة لكل واحد يشتغل في هذا المجال ليعبّر عن موقف واضح وصريح تجاه ما يحدث في سورية اليوم، ولا يخفي الخطيب أن “أهل الشمس” فيلم يتحدث عن الأزمة بشكل مباشر، رافضاً تحذير البعض من فعل ذلك إلا بعد انتهاء الأزمة، مؤكداً  أنه لم يتردد أبداً في تناول الأزمة بشكل مباشر لإيمانه بأن ما حدث في سورية لم يكن وليد اللحظة ولا مجرد شرارة انطلقت فجأة، وبرأيه أن أي شخص يقرأ التاريخ ويحاول قراءة الحاضر والمستقبل سيكتشف تماماً أن ما يحدث الآن في سورية هو موضوع قد أعدّ له منذ سنوات طويلة، وبالتالي فإن الكثير منّا كان مدركاً أن أمراً ما سيصيب هذا البلد وأنه لن يُترَك ليتطور ويزدهر ويعيش أبناؤه بطمأنينة وسلام، وبالتالي فإن الأمور بالنسبة له واضحة منذ البداية ولن ينتظر سنوات أخرى لتتضح له بعض الأمور، خاصة وأنه منذ بداية الأزمة كان على يقين بأن كل ما يحدث قد رُتِّب لسورية. من هنا فإن  فيلم “أهل الشمس” والذي مازال قيد التصوير قريب جداً من الواقع وما يحدث اليوم في سورية، وهو يرصد مصائر مجموعة من الشخصيات التي وجدت نفسها في هذه الظروف المأساوية لنرى كيف ستتعاطى كل شخصية مع هذا الظرف، رافضاً الخطيب أن يتحدث أكثر عن الفيلم، خاصة وأن عمليات التصوير لم تنتهِ بعد، إلا أنه يعد الجمهور بأنه سيشاهد فيلماً لا يقلّ مستوى عن فيلميه “مريم” و”الأم”. أما جديده كمخرج في “أهل الشمس” فيؤكد أن الجمهور هو الذي سيحكم على ذلك، خاصة وأن التصورات الإخراجية تختلف لديه من فيلم إلى آخر، ففيلم كـ “مريم” على صعيد الموضوع وبناء الأحداث والتداخل الزمنيّ فيه فرض عليه حلولاً إخراجية معينة وهي تختلف عن حلوله في فيلم “الأم” الذي يقوم على حكاية بسيطة غير معقّدة من حيث البناء والتركيب والذي ينحو فيه نحو المدرسة الكلاسيكية في الإخراج، مبيناً الخطيب أن كل حلوله الإخراجية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسيناريو، ولذلك نجد هناك حالة من التناغم بين المستوى البصريّ للمشهد والمستوى الدراميّ في كل أعماله.
الكتابة عملية صعبة
ويعترف الخطيب ككاتب لسيناريو الفيلم أن الكتابة أمر معذِّب بشكل عام، وأن كتابة سيناريو فيلم سينمائيّ أمر ليس سهلاً كما يتخيله البعض بحيث يمكن أن تتدفق الأفكار بمجرد الجلوس وراء الطاولة. من هنا يؤكد أن إخراجه لعشرة أفلام أسهل من كتابة سيناريو لفيلم واحد لأن الكتابة برأيه عملية صعبة تستغرق وقتاً وجهداً وتُحدِث تغييراً في نفسية الكاتب، أما ما هو إيجابيّ في كونه الكاتب والمخرج لثلاثيته أنه يخرج الفيلم أثناء الكتابة وبالتالي عندما يبدأ التصوير تكون كل الرؤى والأفكار واضحة وجاهزة بالنسبة له لأن كل تفاصيل الفيلم يبنيها على الورق قبل أن تدور الكاميرا.
يذكر أن “أهل الشمس” من تمثيل: كاريس بشار- ميسون أبو أسعد- رفيق سبيعي- محمود نصر- محمد حداقي.. وغيرهم.
أمينة عباس