ثقافة

الإعلانات السورية تدخل المنافسة

الفرق كبير بين الإطلالة الفيروزية التي تضيء صباحاتنا، وترتب لنا مواعيد انطلاقنا ليوم حافل بالنشاط، وبين المنغصات التي تتخلل هذه الترنيمات الفيروزية عبر التوليفة الصباحية من الإعلانات المقيتة التي تقلب الصورة الجميلة بعصاها السحرية «الإعلانية»، وتبدأ بصوت لا يشبه أبداً «سيدة الصباح»، معلنة لنا عن شركة تحويل الأموال، وإن لم يكن هذا الإعلان، فالبديل موجود وهو «ظريفة»، الظريفة التي تكون على استعداد تام لتغيير المزاج وقلبه ورسم غيوم سوداء، معلنة بقوة «هي وأخوها» تعكير مزاجنا بما يقدمانه لنا من إعلانات، ولا أخفيكم أن هذه الدقائق القليلة كافية لتبديل كل شيء، وهذا كل ما يحتاجه المنتج لإعلان له، صغير بوقته، كبير بمفعوله، ومكلف بدوره.. في الواقع، أصبح إنسان هذا العصر كائناً تحيط به الإعلانات أينما توجه ونظر وسمع، فسواء كان في بيته أم في مكان عمله فهو مضطر لسماع الإعلانات شاء أم أبى، لذا فيمكننا دون أي تجاوز أن نسمي هذا العصر عصر «الإعلان»، تلك الكلمة الساحرة التي تسيطر على مزاج بأكمله، ولو أنه فن يتطور بالوسائل التقنية الموجودة، ولعل أبسط تعريف له هو وسيلة سريعة لتوصيل رسالة إلى عدد كبير من الناس في الوقت نفسه بغرض بيع أو شراء سلعة معينة أو خدمة، ولكن مع كل هذا التطور الذي حدث، لم تستطع الإعلانات السورية المسموعة والمرئية تطوير نفسها، فبقيت محافظة على موقعها بأن تكون مصدر إزعاج للناس، حتى إنها منذ مدة قريبة دخلت في منافسة مع إعلانات تبث عبر قنوات عربية في برنامج «هيدا حكي» للإعلامي عادل كرم في فقرة «أسوأ 5 دعايات على المستوى العربي»، فالإعلانات السورية اعتمدت في البداية على منهجية الإيقاعات الغنائية المشهورة من خلال اللحن مع بعض التعديل على الكلمات، أما اليوم فقد تطورت وأصبحت تعتمد على شخصيات درامية دخلت قلوب المشاهدين بلهجات سورية مختلفة أحبها السوريون، وفي الحقيقة أن الإعلانات مازالت تقدم بأسلوب عدم الاحترام للمشاهد أو للمستمع، بغض النظر عن أن الإعلان أو الدعاية الواحدة تقدم في كل الإذاعات والقنوات التلفزيونية بالصيغة والمفردات ذاتها، الأمر الذي ينفرنا ليس من سماع الإعلان فقط، بل وتتولد لدينا باللاشعور رغبة بعدم شراء هذا المنتج، لشعور ينتابنا من خلال هذا التكرار بأن المنتج الجيد لا يحتاج إلى كل هذه الإعلانات، لأنه عبر التجربة يثبت جودته، لكن أن تبقى الإعلانات تقدم يومياً لمرات عديدة بالأسلوب نفسه، فإن هذا يمثل  استخفافاً بعقل المستمع أو المشاهد تنفره من المنتج المعلن عنه.
وبما أن الإعلان يمثل العنصر الرئيسي للترويج، ولا تخفى على أحد أهمية الدعاية والإعلان، فقد قامت أبحاث كثيرة بدراسة مدى أهميته في حياتنا، وكيفية تأثيرها على المجتمع، وهذه الدراسات خرجت بنتائج متعددة، منها كيف أن القائمين على صناعة الدعاية والإعلان قد استخدموها لتحقيق غايتهم في تسويق السلع، لكن إعلاناتنا السورية لم ينجح صانعوها في تسويق المنتج بحد ذاته، وإنما كان التسويق لاسم المنتج كلفظ متداول فقط، أكثر من ترويجه كمنتج، فبماذا نفسر قيام فتاة صغيرة لم يتجاوز عمرها أربع سنوات بمخاطبة أشخاص يشربون المتة، وهي تسألهم: «عم تشربوا متة العم».
إن أنواع الإعلانات تتعدد وتكثر يوماً بعد آخر، وهناك الكثير من الأفكار التي يمكن لصناع الإعلان طرحها في تسويق المنتجات التي يعلنون عنها، وهذا لا يتطلب أكثر من أن نأخذ  بالاعتبار أن لكل إعلان أسلوباً وطريقة عرض تناسبه، وتقديم الإعلان ذاته بأكثر من صيغة حتى يحقق الهدف والغاية، ويقبل الناس على شراء المنتج، والأهم أن يكون البث في وقت مناسب.
جمان بركات