ثقافة

وجاء دور “الميادين”

لم يكن مستغرباً ما أقدمت عليه إدارة عربسات شركة الأقمار الصناعية العربية وهي في الواقع ليست أكثر من شركة ذات تمويل خليجيّ هدفها السيطرة على العقل العربي وسلبه أدنى مقومات القدرة على المحاكمة السليمة والواعية لما يدور حوله.. لم يكن مستغرباً إذاً قيام هذه الشركة بمحاصرة فضائية “الميادين” صاحبة العمر القصير زمنياً بالمقارنة مع قريناتها الفضائيات الإخبارية العربية والعمل على إيقاف بثّها بسبب نوعية البرامج التي تبثها والتي تساهم في بثِّ الوعي لدى المشاهِد العربي الذي تعرّض على مدى سنوات وما يزال لأبشع عملية غسل دماغ عرفتها البشرية.
في مطلع ثمانينيات القرن الماضي عندما برزت فكرة وجود قمر صناعي عربي قادر على إيصال الصوت العربي إلى أصقاع الدنيا انعقدت الآمال على هذا المشروع، ورأى فيه كثيرون بساطَ ريحٍ معاصر قادر على إيصال صوت الحق العربي المخنوق بفعل وسائل الإعلام الغربية المموَّلة صهيونياً في معظمها إلى من لا يصلهم هذا الصوت، فبدأت المشاريع الكبرى بمداعبة خيال الشعوب العربية في أنهم أخيراً سيتمكنون من مخاطبة الآخرين باللغة التي يفهمونها، لكن ما جرى بالفعل هو أن نخبة من نخب الجهالة والتجهيل تسلطت على هذا المشروع وحوّلته من مشروع عربي تنموي تنويري إلى مشروع لبثِّ روح الفرقة والتناحر والنزاع بين شعوبنا، فكان أن فُتِح الباب واسعاً أمام إنشاء قنوات تلفزيونية لا هدف لها ولا همّ إلا تأجيج حالة الخلاف الدفينة في الأرض العربية، وترويج الفكر المتخلف والمنغلق والمتعلق بكل ما هو سطحيّ ووهميّ ومزيّف في الواقع الاجتماعي العربي الذي كان بحاجة إلى من يوقظه من سبات مئات السنين، فإذا بهذه المحطات تمعن في تخدير المتلقي العربي وتعطيل حواسه الفكرية والإنسانية لتحوله إلى مجرد متلقٍّ سلبيّ لكل ما تبثه من سموم نشاهد اليوم نتائجها المدمرة على امتداد الساحة العربية.
في فترة سابقة كان الدور على الفضائيات السورية فحوصرت ومُنِعَت لكن صوتها بقي عالياً مدوياً، وقبل ذلك وبعده حوصرت فضائيات عربية ذات منهج مستقل وعروبيّ وتحرري، واليوم جاء دور “الميادين” التي رفضت التدجين فكان لا بد من معاقبتها كي تكون عبرة لسواها من قنوات ووسائل إعلام قد تفكر في يوم من الأيام أن تخلع عنها ثوب التخلف والتبعية والاستزلام والرخص.

أمينة عباس