ثقافة

عصام المأمون في صالة لؤي كيالي.. بـلاغـة الصـمت فـي لــغــة لـونـيـة مـتقـشـفـة

تتقدم صالة لؤي كيالي بحضورها على جميع صالات العرض الخاصة والعامة الموجودة في دمشق، من خلال عدد المعارض والأنشطة الموازية لها، فضلاً عن  استضافتها الندوة الثقافية الأسبوعية التي يقيمها فرع دمشق لاتحاد الفنانين التشكيليين، وكان آخر معارضها للفنان عصام المأمون الذي قدم تجربته الجديدة في رواق هذه الصالة، التي اتسعت لجمهورها المثابر على حضور فعاليات الفن التشكيلي، وهذا المعرض الذي ضم أكثر من ثلاثين عملاً زيتياً من مختلف القياسات تناول فيها الفنان العنصر الإنساني الحاضر في صورته البليغة، صامتاً متأملاً منكسرا لكنه باق كجوهرة في هذا الوجود العصي، أمام مغامرة الفنان ومحاولاته رسم بدائل جديدة متنها الفرح والضوء، سعياً لفتح بوابات من نهار آخر لا حزن فيه ولا خيبة.
تتداخل حالة الفنان المأمون الإبداعية مع مشاغل نهاراته التي يمضيها في المدينة المكتظة بأنفاس المخلوقات والناس العابرين، أمام شاشة بيضاء تتسع لأحلام الجميع وللعشاق وأبطال الكلام الموشى بالمجاملات التي تخفي حزن صاحبها من خيبة النهار القصير، وقلق اليوم والمكان الضيق، وأدوات الفرح المتاح حين لا تساوي حضور وردة.
في لوحة وأكثر رسم الفنان بعض أصدقائه الفنانين على خلفية من عوالم لوحاتهم ومفردات وجودهم الفني وتجربتهم التشكيلية، منهم الفنان نذير إسماعيل صاحب الحضور الدمث والمحبب عند أقرانه، خاصة بما يمثل من صمت وقور ومعبر كما  يتشابه مع أشخاصه الذين يرسمهم، هذه الحالة الفريدة لصديق الفنان تستحق أن تسجل ويحتفى بها كجزء من يوميات جميلة، في مكان اعتاد المأمون أن يلتقي فيه مع عدد آخر من أصحابه الفنانين، إنه المقهى وساعات الانتظار الطويلة، والكراسي التي تحز الوقت وتشهد على عزلة رواد المقهى، وإن علت سحب التبغ أو الأراكيل إلى سقف المكان لن تزيد منه إلا صمت بليغ ولون حيادي، يشاغله الخط المضطرب في التعبير عن ثقة تفقدها اليد حيناً بارتجاف العاطفة، أو تردد المعنى هنا أو هناك.
بالعودة إلى تجربة الفنان التقنية نلحظ استخداماً واسعاً لعملية لصق قصاصات القماش الصغيرة على سطح اللوحة بقصد تقني تجريبي يقرّب روح الفكرة أو الموضوع للمتلقى، لكنه يسقطه في لغة المباشرة إذا كان على هذا النحو من التبسيط، لكن مقاصد الفنان المأمون تحسب بحسابات مختلفة، وهو العارف بلعبة الكولاج ومغامرة الفكرة أو حواملها التقنية، من معالجة لسطح اللوحة ورفدها بزخم غرافيكي يحيل أعماله التعبيرية إلى موقع المصور المختزل، والملون المتقشف، والمجرب المشغول بمهارات الفنان الذي يبحث عن فرادته الشخصية، وتوكيد قيمه وذاته الفنية، والسعي لاكتساب التميز لها ضمن صف طويل من مجايليه الذين أثبتوا شخصيتهم التشكيلية، بالمواظبة وتعزيز التجربة وتطوير صياغاتها الفنية، جنبا إلى جنب مع حضورهم في أغلب المشاركات الفنية الجماعية، والمواظبة على إنجاز معارض جديدة  كل فترة، والاجتهاد في الجانب الإداري والتسويقي.
تعتبر تجربة الفنان عصام المأمون في معرضه الجديد من التجارب المتميزة التي عرضت في صالة لؤي كيالي، وقد تكون من أهمها، كما تعتبر هذه الحصيلة من الأعمال التشكيلية قيمة جديدة تضاف، وتأخذ موقعها في التشكيل السوري خلال الأعوام الأخيرة، خاصة أن ظروف الحرب قد أبعدت العديد من الفنانين عن ممارسة عشقهم ودورهم، لكن الفنان المأمون بما يمتلك من مشاكسة محببة وإصرار على دوره الجمالي، في يوميات تنتصر للقيمة والجمال، وينتصر الحب على الكراهية، مما يقتضي الثناء على جهد هذا الفنان تعزيزاً لدور الفنون الجميلة في الحياة.
أكسم طلاع