ثقافة

“عندما تقرّرون القيام بالحرب.. عليكم أن تحموا رجوليّتها” كتـــاب مُهـــدَى إلى أمّهــات الشــّهداء السّوريّــات

مقولة العنوان الذّكوريّة، هي لقائد سلاح البحريّة الأمريكيّة، الجنرال “روبرت .هـ . باور” التي أعتقد أنّها تلقي قليلاً من الضوء على مصطلح “الجندر” الذي جهدتْ بشرحه ثلّة من الكاتبات النّسويّات الأكاديميّات المختصّات في مجالات بحثيّة ووظيفيّة عدّة على مستوى العالم : “قضايا الجندر، النّزاعات المسلّحة، مجموعات السلام النسويّة،قضايا الهجرة واللاجئين، والإثنيّة، والقوميّة، والعمل والعولمة والحرب، ومجالات الإغاثة الإنسانيّة، وحقوق الإنسان “اللّواتي جمعتهنّ في كتاب حرّرته وقدّمت له باستفاضة، مديرة الجمعية المتخصّصة بالجندر والأمن وحقوق الإنسان، أستاذة الدراسات النسائية في جامعة “ماساشوستس” بوسطن “كارول كوهين” وعنونته بـ “المرأة والحرب” women and wars .ترجمة “ربى خدّام الجامع” التي أهدتْ جهد ترجمتها، إلى كلّ امرأة سورية،وإلى أمّهات الشّهداء،ولكلّ من تعمل في سبيل القضايا النسويّة. وتدقيق ترجمة “ضحوك رقيّة” ونشر “دار الرّحبة للنشر والتوزيع ـ دمشق 2017م . وللكتاب راهنيّته الشّديدة كونه يلخّص معاناة المرأة عموماً في الحرب والسّلم، والسّوريّة خصوصاً التي ستجد فيه انعكاساً لمأساتها الرّهيبة في هذه الحرب المجنونة الدائرة على أرض وطنها والتي خلّفت الكثير من الويلات، من تهجير وموت ونزوح وفقدان أبناء، وقهر وفقدان وسائل العيش، وخراب البنى التّحتيّة بشكلٍ عام. مما اضّطر الكثيرات للعمل في مجالات لا تليق بإنسانيّتهن.الكتاب النّسوي بامتياز، يستعرض كيف أنّنا لا يمكن أن نفهم علاقة المرأة بالحرب، ولا الحرب نفسها، دون فهم “الجندر”، وفهم الطّرق التي يشكّل فيها مع الحرب مقوّمين أساسيّين يتبادلان التّأثير في الواقع. فما هو “الجندر”؟

يترجم مصطلح “gender إلى العربية بـ “الجندر، أو النّوع الاجتماعي، أو الجنوسة، أو الجنس” وهناك من يترجمه بـ الجنسانيّة ولعلّ الترجمة الأخيرة تحمل خطر الخلط بينه وبين مصطلح “sexuality الذي يترجم أيضاً بالجنسانيّة ولأسبابٍ عملية تقول المترجمة المدقّقة، ستعتمد مصطلح “جندر” وتشتق منه الصّفة “جندري، والفعل جندر، يجندر، والعملية “gendering” جندرة، أمّا صيغة “gendered” التي تعني أن شيئاً ما يتعلّق بأحد الجنسين أو ملائم له دون الآخر، فتترجم  مجندر، أو أحادي الجندر”. ونظراً لالتباس المصطلح، توضّح “كارول كوهن”: حين يستخدم شخصان كلمة “جندر” فربّما لا يشيران إلى المعنى ذاته، فصنّاع السّياسات الدّوليّة حين يشيرون إلى “قضايا الجندر” فهم يعنون “قضايا نسائية” وحين يتحدّثون عن “جندرة حفظ السلام” فهم يشيرون إلى إضافة النساء لهذه القوات. ولكن مصطلح “الجندر” عند آخرين يشير إلى الرّجال والنّساء. وربّما يمكننا الانطلاق من معنى مشترك للمصطلح بأنّه بنية اجتماعية تشكّل هويات الأفراد وحيواتهم, كما تشكّل الطريقة التي يرى بها الأشخاص أنفسهم، وكيف يراهم الآخرون.

الكتاب يناقش علاقة المرأة بالحرب، من حيث الآثار التي تخلفها فيها، والأساليب التي تتبعها النساء خلال الحروب، والمواقف السياسيّة المتفاوتة التي يتخذنها منها، والطّرق التي ينتهجنها لبناء السلام. تقول “كارول كوهن”: ثمّة رواية قديمة عن الحرب، تبدأ بتصويرها بشكلٍ ذكوريٍّ محض: يتخذ فيها الرّجال القرارات الحاسمة سواء بخوضها أم بعقد معاهدات الهدنة وإيقافها، يقاتلون ويموتون، في سبيل حماية أوطانهم ونسائهم وأطفالهم الضّعفاء، ويقتسمون الغنائم، ثمّ يتشاركون السلطة عند انتهائها. وإذا حضرت المرأة في هذه المشهديّة، فسيتلخّص حضورها، بتربية الأولاد والتّضحية بهم عن طيب خاطر، وبدعم رجلها وندب الموتى، وقد تتقدم أحياناً لتحمل المسؤوليّة التي تركها لها الرجل، فتمسك المعول أو تعمل في مصنع، أثناء فترة غيابه. وأّما الرجل فتشكّل له المرأة الملاذ الآمن للحبّ والعناية والحياة الأسرية. لكنّ تعقيدات الحرب المجندرة أشدّ تشابكاً وعمقاً من هذا التصوّر التّقليدي. ومفهوم الحرب من وجهة نظر التّحليل النّسوي تحتاج إلى مراجعة جوهريّة. فهي لا تركز فقط على الحرب بذاتها بل على تحليل المؤسّسات والعمليات التي تنتج الحرب والجندر والطّرق التي يتداخل بها هذان المصطلحان.

تهدف الفصول الأولى من الكتاب الموزّع على أكثر من “500” صفحة إلى تزويد القارئ بفهم أساسي لما يحدث للنساء خلال الحروب من آثار عنف واضطّراب بحياتهنّ  اليومية وكيفيّة تأقلمهنّ مع الظّروف المتغيّرة. ومن المهمّ أن ننتبه لتصنيف غير دقيق يرى بالنّساء، إمّا ضحايا أو فاعلات خلال الحرب، فإذا نظرنا للمرأة فكريّاً  بأنّها مجرد ضحيّة فإنّ ذلك سيعيق جهودنا لتخيّل حيوات النساء المتأثّرات بالحرب. وعمليّاً حين تفشل المنظّمات الإنسانيّة في فهم ذلك فإنّ ذلك يؤدي إلى تدخّلات دوليّة تجعل النساء متلقّيات سلبيّات للسّلع والخدمات، لكنّها تفشل في الاستفادة من نقاط قوتهنّ وقدراتهنّ لإيجاد حلول مستدامة طويلة الأمد. والفصول التّالية تناقش موضوع النّساء اللّواتي يقمن بدور سياسي، فيدعمنَ الحرب والعسكرة، أو يقاومنها، ووضع النّساء في الجيوش الحكوميّة أو الجماعات المسلّحة المعارضة غير الحكوميّة. وما تتطلّبه عمليّات إنهاء العنف المسلّح، للبدء في تكريس السّلام الدّائم. أمّا الفصل الأخير “المرأة بعد الحرب” فيستعرض طيفاً من المؤسّسات التي تعنى بحيوات النّساء والفتيات بعد الحرب “مؤسّسات ماليّة عالميّة، مؤسّسات إقليميّة وطنيّة ومحليّة” تأثّرت بالنّزاع. ويُلقي نظرة على التّحديّات التّحليليّة والمنهجيّة التي تناقش وضع المجتمعات بعد النّزاع، وعمليّات دعم السلام وعودة النّازحين. وما تقوم به هذه المؤسّسات العالميّة من فرض لسياساتها على الدّول القوميّة التي تكون بأمسّ الحاجة إلى التّمويل الدولي، لإعادة الإعمار وإصلاح ما دمّرته الحرب. كما يسلّط الضّوء على ما يسمّى بالتّحوّلات الديمقراطية التي تفرضها هذه المؤسسات على البلدان التي أنهكتها الحرب. والتي تكون غالباً مضعفة للنساء اللّواتي حافظن على النسيج الاجتماعي والاقتصادي لمجتمعاتهن أثناء النّزاع. ويركّز أيضاً على ظاهرة “ردّ الفعل العنيف” ضدّ النّساء بعد الحرب، وعلى فاعليتهنّ على الرّغم من كلّ التّحدّيات، في بناء سلام مستدام.

أوس أحمد أسعد