ثقافة

خديجة بدّور في “لمار” نصوص شعرية عن البلاد التي مازلت تحب

“نجوت من الموت مرارا, ولحسن حظّي/ مازلت على قيد الحياة, ربحت مزيداً من الصحو/ بين الركام البشري, فتطاولت يدايَ صوبَ الشمس/ وصدحت كقصبةٍ رغم الريح لألملمَ العقد العتيق وأخفي جراح قلبي كعاشقة/ وأطوّق جيدَكَ بالآه ياوطني”.   صدر للأديبة خديجة بدّور أحد عشر كتاباً تناغمت بين الشعر والقصة والرواية, وفي إصدارها الأحدث “لمار” نصوص شعرية كما قرأنا على غلاف المجموعة, سنجد ذواتنا منشدين لاشتغالات شعرية فيها من التكثيف والدهشة الكثير, ولعّل هذا من ميزات القصيدة الشعرية التي تنتمي لتيار الحداثة أو لما بعدها: “أنا لن أموت صامتة, سأصرخ بصوت عالٍ/ غير آبهة بأحد, ولا خائفة/ لن يبكيني أحد بعد اليوم, لن أعمى بعد اليوم, لن أصم أذني” ص 100.

هي نصوص شعرية ترصد بصدق المشاعر ما حدث لهذا البلد الرائع، بلدنا سورية. في نصوص هذه المجموعة سنكتشف مايصف المشهد اليومي الشفهي, القصيدة الشفاهية هي ميزة شعرية, متميزة تحتاج لتقانات وتجارب مستمرة تمر في المطبخ الشعري للشاعر, لتخرج القصيدة من النبض اليومي للمشهد العام لرصيف العمر والحياة.

قد يجد قارئ الشاعرة بدّور ذاته أمام مشهد شعري درامي يدمي القلب ويدمع العين, لكنه في ذات الوقت سيجد أن كل هذا الحزن المثقل بالجراح والأسى, مليء بالتفاؤل والأمل, يرنو دائما للشمس وغير يائس، مشحون بالأمل وضوء الشمس وبالنهارات السعيدة” هذه بلدي بلد الفرسان, وكل من فيها سنديان, لاتقتلع جذوره. / ودماء حماة الديار شفق ونار، وصقورنا الجرحى الجناح / حلقوا للسماء كي لانرى جراحهم/ياخريف العالم المنهار, أكان لابد من الأعداء, كي نعرف الأصدقاء”.ص27.

قصيدة أخرى من قصائد المجموعة ففي قصيدة بعنوان: أنا سوري تقول الشاعرة: ” سجل أنا سوري أذبحُ في السرّ والعلنِ. وأمة المليار ترمقني بلا وهن/ وإذا صرختُ..تمدّ يديها, تكتمُ أنفاسي لتسكتني/ سجل أنا سوري, بيتي قبري ودمي كفني, سيأتي فجراً مرتوياً, من نزيف دمي” ص 112

ثمة تنويع لافت في موضوعات القصائد فهناك مايميل إلى الوجداني ويتماهى معه لحد  التوحد, للحد الذي تكاد تكون فيه القصيدة مرآة العتمة في انبهار الضوء.

“عمري جاع, وعندما وجدت اللقمة, لم أجد فمي/ بيتي مزروع تحت العمر/ أبحث عن طريق الخلاص, خمسون عاماً أنزف العمر, كلّ من رأيته مهووساً بداء العظمة, تنزف روحي كما تنزف الظلمة العتمة/ لكنّني أعود لأغزل المطر من الغيمة, وأنفض الدمعة/ من الأحداق لتصفى, وأعبئ قلبي نجوماً, لأبني فوق الشمس مقعداً” ص 34.

لعّل المتميز واللافت في نصوص الشاعرة بدّور, هي تلك المساحات الشعرية المفتوحة على شرفات البوح الصادق لآخر نبض القلب وبوح الروح, نصوص تقارب روح المرأة المجبولة بصدق المشاعر, وتلك الذاكرة المليئة بالوفاء والإخلاص لحالة حب كانت ذات ذكرى, ومرت لكن المرأة نبع الوفاء وصدق المشاعر لاتكون الذكرى, مثلما سحابة صيف طارئة, لا ليست هكذا ولن تكون بالنسبة لهن. تقول الشاعرة: “قبل أعوام كنت آتيك, على متن سحابة, كان حبي لك أكبر, والأشواق في صدري رياحين وعنبر/ عد بي إلى الماضي الجميل, حيث الحلم ينساب في عيني ويبحر/ لماذا جعلتني بلا روح, وقلبي تحجر/ عد إليّ, كما كنت صفحة مكتوبة, بشذا العطر والأقحوان” ص 45.

باختصار شديد يمكن القول أن تجربة الشاعرة خديجة بدّور, لافتة وتستحق منا وقفات مطولة أكثر, وتسليط المزيد من الضوء على هذه التجربة التي تنز صدقا وتنم عن تجربة إنسانية هامة. تقول في قصيدة اتّكاء على قصيدة لبدوي الجبل، بعنوان يامرحبا: “ياربِّ صن ضحكة يحيى, إذا غردت في عتمة الليل أصبحا/ ردّ الأذى عنه وهيئ له في القلوب محبةً, وفي كل لقيا مرحبا/ اجمع له ألوان الضياء ورشها, على خديه فيحمرّ ويورّدا”.

“لمار” مجموعة شعرية اسمها مستوحى من اسم حفيدة الشاعرة, صادرة عن دار الشمعة 2016 وتقع في 112صفحة من القطع المتوسط.

أحمد عساف