ثقافةصحيفة البعث

فن الحرب.. كتاب قديم متجدّد

في نظرة سريعة على أحوال العالم الآن وأخباره في الماضي، سيجد المرء أن الحالة الأساسية للحياة على سطح هذا الكوكب هي الحرب، وما فترات السلام إلا فواصل بسيطة في نسيج الحروب والصراعات الدموية الطويلة التي حصلت عبر التاريخ بين أشرس قادة العالم، فالجميع يحاول أن يسيطر، والجميع يحاول أن يخضع الجميع لسيطرته.

كتاب “فن الحرب” للكاتب الصيني سن تزو، من أهم وأفضل الكتب الحربية والعسكرية، ومازال من ضمن قائمة أهم مائة كتاب في التاريخ، كُتب قبل أكثر من 2300 سنة، وعلى الرغم من اختلاف البشرية منذ ذلك الحين وحتى اليوم، إلا أن كثيراً من أفكاره ما زالت صالحة للتطبيق، ليس على مستواها العسكري فحسب، بل حتى في المجالات الإدارية والرياضية والتجارة وغيرها.

سن تزو جعل من الحرب فناً، خدعة ودهاء، تعليمات عسكرية صارمة وتكتيكات عبقرية وخططاً ماكرة واقعية فذة، تفكيراً في أدق تفاصيل شؤون الحرب واغتنام كافة السبل والفرص المؤدية إلى النصر المؤزر في أي معركة بكيفية واقعية لا تخرج عن نطاق الممكن، قد لا يهمه عدد الجنود داخل المعركة ولا قوة العدو ولا نوع الأسلحة ولا التضاريس التي تجرى فيها المعارك. يفكر في النصر في كل المعارك التي يخوضها بوسائل عبقرية ناضجة وخطط محكمة وبديهة سريعة ترافق الاستعداد الذهني والبدني، وتجعل الجيش بكامله في أقصى درجات التحدي والاستعداد للمتغيّرات والمفاجآت التي قد تحملها المعركة.

كتاب “فن الحرب” لا يقتصر فقط على شرح كيفية تحقيق الانتصارات وإلحاق الهزيمة بالعدو فحسب، بل وحتى تجنّب الهزيمة والوقوع في شرك العدو والأسر، الحرب أمر بالغ الأهمية لكل دولة لا يمكن تجاهلها، فهي مسألة حياة أو موت وهي طريق إلى الأمان بعدها أو الخراب، لذلك هي موضوع يستحق الاطلاع عليه والبحث فيه ومعرفة العوامل التي تتحكّم بها، وقد عرفها الكاتب بخمسة عناصر هي: القانون الأخلاقي، السماء، الأرض، النظام العام، القائد. هذه العناصر الخمسة تشكّل ميزان النصر، من رجحت لديه هذه العوامل كان النصر حليفاً له، وفي كثير من المحطات في هذا الكتاب يؤكّد أن الهمّ الأكبر في الحرب هو تحقيق النصر لا إطالة أمد الحرب، ويؤكّد أيضاً أن التفوّق الأعظم في الحرب هو كسر مقاومة عدوك دون أي قتال وفي ذلك فن الحرب، ويكون هذا بمعرفتك لعدوك معرفة جيدة، وفي اقتباس عن الكتاب: “إذا كنت تعرف عدوك وتعرف نفسك فلا حاجة للخوف من نتائج مئة معركة”.

كان سون تزو جندياً في مملكة تشو، وهو من عائلة عسكرية، أبوه وجده ووالد جده من القادة العسكريين، فكانت له خبرة في المعارك، عاصر فترة كثرت فيها الحروب بين أكثر من 130 مملكة صغيرة، فزادت ملاحظتها من خبرته العسكرية، ثم أشار أحد كبار القادة العسكريين على الملك أن يستعين به، فألف سون تزو هذا الكتاب، المكوّن من ثلاثة عشر فصلاً.

في الفصل الأول تحدث عن التخطيط للحرب، حيث حدّد خمسة مبادئ ثابتة تحكم فن الحرب، والفصل الثاني يبدأ فيه شنّ الحرب، حيث أكد تزو أن يكون خاطفاً وحاسماً، فكلما طال أمد الحرب، كانت استنزافاً للطرفين، الفصل الثالث كان للهجوم بالخداع، ففي هذا الفصل يريد أن يقول بأن تحرّكك ينبغي أن يكون وفق مجريات الواقع وإمكانياتك، وهذا يتطلّب معرفة بعدوك، ومعرفة بنفسك أيضاً. الفصل الرابع فيه شرح للمناورات التكتيكية، الفصل الخامس عن القوة والزخم، فيتحدّث عن أهمية التقسيم، وأنه صورة البناء الأخيرة. يشرح تزو نقاط الضعف والقوة في الفصل السادس، ويتحدّث عن الأساليب لاكتشاف نقاط ضعف الآخر، كأن تزعجه ثم تلاحظ نشاطاته، لتجبره على أن يكتشف نفسه ونقاط ضعفه ونواياه، الفصل السابع كان للمناورة، أهم نقطة ذكرها سون تزو في هذا الفصل ألا نفترض أن العدو لن يأتي، بل يجب أن نعتمد على استعدادنا لمواجهته، الفصل التاسع، فن تحريك الجنود، ثم دراسة التضاريس في الفصل العاشر، ثم فصل في تقسيم الأراضي حسب أهميتها ومكانتها أو ارتباطها بالجيش، ثم فصل في الهجوم بالنار وفصل أخير في استعمال الجواسيس.

للمفارقة لم يكن تزو من محبي الحرب ولم يكن يتصوّرها كطريقة مُثلى لحلّ الخلافات، كان يرى أن الحوار والمفاوضات هي التي يجب أن تسود لحلّ المشكلات بين الدول والأمم، وأن النجاح الحقيقي في الحرب هو الفوز في معركة دون خسائر من الطرفين ثم العمل على إحلال سلام مستدام قائم على المعاهدات والاتفاقيات الموثوق بها، ولكنه كرّر فيما بعد أن الحرب ضرورة في بعض الأحيان وشر لابد منه!.

عُلا أحمد