تحقيقاتصحيفة البعث

يجب مراقبتها.. إقبال على سوق المهدئات والمسكنات لدرجة الإدمان!

لاحظنا أثناء جلوسنا عند أحد الأصدقاء من الصيادلة مدى إقبال الناس على شراء المسكنات والمهدئات التي باتت حاضرة بكثافة في اليوميات الحياتية المتخمة بالكثير من الأعباء والهموم التي تدفع بقوة إلى عالم الإدمان بمختلف أشكاله وأنواعه، طبعاً هذه الحالة ليست حكراً على فئة عمرية معينة، بل تشمل الجميع من الشباب والشابات وكبار السن ودون مبالغة الأطفال، ومن بين القصص التي استوقفتنا قصة الطفلة حلا التي كانت تريد شراء السيتامول لوالدتها المدمنة على هذا النوع الدوائي كما قالت مؤكدة على أن أمها لا تستطيع النوم إلا بعد تناول السيتامول الذي يرافقها طوال اليوم في عملها المرهق والمتعب في تنظيف البيوت لتأمين العديد من احتياجات أطفالها، وإيجار الغرفة التي يسكنون فيها!.
قصص كثيرة كانت حاضرة بين جدران الصيدلية الجامعة لأوجاع الناس وآلامهم وإدمانهم نتيجة وقائع الحرب، ونتائج تداعياتها الاقتصادية والمعيشية وحتى الاجتماعية بكل ما فيها من أحداث قاسية دفعت بالغالبية العظمى إلى تناول الأدوية المهدئة التي أضافت بعداً سلبياً خطيراً لحياة الحرب والحصار والأمراض (وباء كورونا)، يتمثّل بحالات التلوث بالأدوية ذات المضاعفات والآثار الجانبية الخطيرة، خاصة مع تضاعف عدد المدمنين عليها على مدار الساعة، وإذا كانت جلسة بسيطة وعابرة في إحدى الصيدليات كشفت لنا انتشار هذه المهدئات في المجتمع كالنار في الهشيم، فهل لدى الجهات المعنية أية معلومات بهذا الخصوص، أم أنها تركت الحبل على الغارب، كما يقال؟!.

التلوث بالأدوية
إحدى المجلات الطبية تحدثت، وتحديداً في زمن كورونا، عن مخاطر التلوث بالأدوية، والآثار الضارة للزمر الدوائية الناتجة عنها، والمخاطر المحتملة التي يمكن أن تنجم عنها، وكيفية التعامل معها، والعناصر الأساسية في الصناعة الدوائية، وبيّنت أن هناك فوضى كبيرة في السوق الدوائية ناتجة عن حالة الذعر التي فرضها الوباء، وحالة القلق المسيطرة على الناس نظراً لتفاقم الحالات وارتفاع معدلات الإصابة بشكل يدفع الكثيرين إلى تناول المهدئات بشكل كبير، بحيث تنتج عنها اختلاطات دوائية ذات عواقب صحية مؤذية، ومنها ما يؤدي إلى الوفاة نظراً للتفاعلات الدوائية الضارة.
وأشارت المجلة إلى أن إحدى الدراسات عن سرطان الثدي عند النساء بيّنت أن غالبية النساء اللواتي أُصبن بهـذا المرض كن يتعاطين (الفاليوم) وغيره من المهدئات، وعند فحص حالتهن ظهر أن الإصابة بالسرطان كانت متقدمة، وهذا النوع يبعث على الكآبة الشديدة، والانطواء، والرغبة الشديدة للانتحار.

عقار شائع
مضيفنا الدكتور أسامة أشار إلى أنه لاحظ في الفترة القريبة الماضية، وتحديداً في فترات الحظر وما بعدها، تضاعف شراء الكثير من المسكنات والمهدئات، ومنها الاسبرين الذي يعتبر سلاحاً ذا حدين له فوائد في علاج الصداع وآلام المفاصل وروماتيزم العضلات وألم الأسنان وما أشبه ذلك، بالإضافة إلى دوره في خفض الحرارة وتقليل الألم، ولكن من جانب آخر لهذا الدواء مضار قد تنال من الجسم فتصيبه بأمراض مزمنة، فالاسبرين هو العقار الشائع استعماله بين الغالبية العظمى من البشر في شرق الأرض وغربها، وهو يسبب آلاماً معوية يصحبها عسر هضمي، وقد يؤدي تعاطيه إلى حدوث طفح جلدي، وتورّم في الوجه والعينين، ونزف من الأنف والفم، ورغبة شديدة في حك الجلد، وإصابة الأطفال بمرض خاص تتجلى أعراضه فـي حدوث تضخم في الكبد، واصفرار في لون المريض، مع انتشار تجاويف مملوءة بالشحم في نسيجه، وكذلك حدوث نخر في أطرافه، أما الإصابات خارج الكبد فتتصف بحدوث تغيرات شحمية داخل الأنابيب الكليوية، واستحالات في الخلايا الدموية، وارتفاع حاد في كثافة الدم، وكذلك حدوث تغيرات في بعض خلايا الدماغ والعضلات، لذا أظهر الأطباء الاحتجاج على استعمال الاسبرين للرضع والأطفال حتى عمر 15 سنة في حالة إصابتهم بأي مرض فيروسي كالأنفلونزا، فالأم الحامل إذا تناولت أقراصاً مـن الاسبرين قد يؤدي ذلك إلى خلل في جنينها عقلياً أو نفسياً أو جسمياً.

التعامل مع الأدوية 
ومن خبرته أشار د. أسامة إلى أن غالبية المواد الفعالة أو المساعدة التي تدخل في صناعة الأدوية تمتاز بصفات ضارة وخطيرة وسامة أثناء التعامل معها دون أخذ الحيطة والحذر، كما أنها حساسة لأية تغيرات حتى في العوامل الطبيعية العادية، طبعاً هذا الرأي أكده بعض العاملين في قطاع الصناعات الدوائية الذي أكدوا أنهم أكثر المتعرّضين لخطر الدواء ضمن مصانع الإنتاج الدوائي، حيث من الضروري إدراج هذه الصناعة ضمن جداول الصناعات والأعمال الخطرة ليتسنى للعاملين فيها التقاعد المبكر حرصاً على حياتهم وصحتهم، كما يمكن أن تحدث هذه الصناعة آثاراً بيئية سلبية، وخاصة في حال تسرب المضادات إلى الوسط المحيط، وظهور بكتيريا تطور مناعتها ضد هذه المضادات، ما يشكّل تعقيدات في علاجها، وأشاروا إلى أنه يمكن الحد من مخاطر الضرر إلى أدنى مستوى ممكن بضمان جودة عمليات تصنيع الأدوية ونجاعتها واستعمالها آليات وخطط تصنيع صحيح، وبيّنوا أهمية التخزين في الصناعة الدوائية، فإنتاج أصناف دوائية وفق مواصفات محددة بدقة يتطلب بالضرورة التعامل مع مواد أولية متنوعة ومحددة المواصفات، سواء أكانت فعالة أم مساعدة أم مواد تعبئة وتغليف، وأي تغير مهما كان بسيطاً على هذه المواد يمكن أن تنتج عنه تغيرات كبيرة وخطيرة قد تؤدي إلى عواقب وخيمة، إذ إن إنتاج أي صنف دوائي يمر بمراحل متعددة، ويخضع لظروف وعوامل خاصة تحكم إنتاجه، لهذا تحتاج هذه المواد إلى شروط غاية في الدقة تخضع لها أثناء تخزينها في المستودعات المختلفة، وذلك لضمان عدم حدوث أية تداخلات عليها، أو تأثرها وتأثيرها من وإلى البيئة المحيطة .

مطابقة للشروط
معلومات كثيرة جمعناها عن صناعة الأدوية، وخاصة فيما يخص المسكنات، منها ما يتعلق بالمادة الأولية، فلا يتم استيراد أية مادة إلا إذا كانت مطابقة للشروط الدستورية الدوائية، ولدى إنجاز التشكيل الدوائي يدرس ثبات الشكل الصيدلاني، ولا يتم تحرير تحضيراته الأولى إلا بعد رقابته مركزياً في وزارة الصحة، وتتم متابعته طوال فترة الصلاحية على الرف في الصيدليات، وهذا لا يعني أنه لا يتم اكتشاف حالات تستوجب سحب الدواء من السوق لتغير مواصفاته، أو لضعف في ثباته، والسحب من السوق لبعض الأصناف هو ظاهرة قوة للصناعة، وليس ظاهرة ضعف، لأنه يعني المتابعة والرقابة من المعمل المنتج، ومن الوزارة.
بالمختصر، إن الرقابة الدوائية على سوق المهدئات والمسكنات تحتاج إلى المزيد من الإجراءات، خاصة أن الظروف الحالية بكل أعبائها فرضت أو أجبرت الناس على تناول المهدئات والمسكنات بشكل كبير، وعلى الجهات المعنية العمل على مراقبة عمليات البيع والتوزيع، وأخذ الاحتياطات اللازمة لمنع التوزيع العشوائي غير المدروس، كما لابد من معالجة الكثير من المشكلات الحياتية والمعيشية التي تثقل حياة الناس وتقودهم إلى الإدمان.

 

بشير فرزان