ثقافةصحيفة البعث

التشكيلي محمد هدلا.. لوحات تعكس إيقاعات الألوان المتوسطية

منذ بداياته كان الفنان محمد هدلا يؤمن بضرورة أن تعكس لوحات الفنان العربي بيئته وروح حضارته العريقة وأن تحمل المفاهيم الجمالية والقيم التشكيلية، وحين تتأمل لوحاته سرعان ما تجد العناصر التعبيرية بحساسياتها المتنوعة وأنوارها وأضوائها توحي بتداخل إيقاعات الألوان المتوسطية وما تمنحه ألوان مدينته ومراكبها ومنازلها وجدرانها القديمة من تأثيرات بصرية تترك أثرها الواضح في لوحاته التي تتنوع ما بين المناظر البحرية ومشاهد المرأة التي أخذت في أعماله شكل الحلم الأنثوي الجذاب، فهو عفوي وصريح هدفه الانفلات في التعبير عن ذاته وحالاته الانفعالية المتبدلة والمتقلبة..

تعتمد في لوحاتك موضوع البحر .. هل للبيئة أثر في تجربتك؟
الخاص في تجربتي أنني استخدمت الرمل البحري في تأسيس اللوحة وهي التقنية التي تعطي تجربتي خصوصية مميزة وتجعل أعمالي أكثر ارتباطاً بالموضوع الذي أعالجه وهو جمالية طرطوس القديمة المبنية بالحجر الرملي.
عندما يعيش الفنان في بيئة جمالية تتميز بسلسلة لوني متناغمة لا مثيل لها في مكان أخر حيث الفصول الأربعة، وألوان البحر التي تتبدل بين لحظة وأخرى، والألق الضوئي الذي يمد هذه السلسلة اللونية بالمزيد من الغنى اللوني، فلا بد أن تتغلغل هذه الإيقاعات اللونية داخل أحاسيسه ومن ثم تظهر في أعماله الفنية حيث تخضع لأسلوبه الخاص ومفهومه الجمالي.

في أغلب لوحاتك تتناول المرأة.. مااللغة التي تريد إيصالها للمتلقي؟
أحاول دائماً إعطاء المرأة المكانة الأسمى التي تستحقها، فهي رمز وأنوثة تتدفق بالدفء والحياة ومنذ العصور القديمة كانت محرضاً للشعراء وملهمة للفنانين، وكانت أنشودة للتاريخ، فمنذ الأزل إلى اليوم كانت شريكة الرجل وسفيرته في الحياة فهي أحد عناوين الحرارة البارزة، وإطلاق رؤى الخيال في خطوات استعادته لرموز المرأة والبحر متمكناً من ابتكار نسيج بصري خاص يتخطى الرؤية التقليدية فاللوحة مرآة لـ ميلوديا الداخل كما أنها محاولة لتوثيق الصلة بين الداخل والخارج فهو لا يتوقف عند تفاصيل الأشكال المتخيلة وإنما يتجاوزها بلمسات سريعة وعفوية وتلقائية أشبه بالإيقاع الداخلي المثبت بألوان عفوية على سطح اللوحة أو على وتيرة الألوان الكثيفة المتراكمة فوق بعضها البعض.

من الذاكرة أم من الواقع يأتي فهم العلاقة مع اللوحة وما الرابط بينهما؟
يجب أن لا يكون العمل الفني مرآة باردة فيعكس عليها الواقع ولا شبكة المغناطيس تلتقط ما مر بالذاكرة من أحداث أو مشاهد إنما الأفضل أن يكون مزيجاً متوزاناً بينهما إذ أن كلاً منهما يغذي الآخر فالواقع عندما يكون جميلاً أو ساحراً والذاكرة عندما تكون مشحونة بمشاهد وذكريات خصبة وخاصة من مرحلة الطفولة مضافاً إليها انفعالات الفنان ووجدانه العاطفي ومفهومه الجمالي عندما يأتي العمل الفني في أعلى مستوياته الإبداعية.

هل هناك مصارحة بين لوحتك والمتلقي؟
هناك علاقة بين أضلاع المثلث الفني (الفنان، اللوحة، المتلقي) ولكي تأخذ هذه العلاقة إطارها الصحيح يجب أن تكون أطرافها متكافئة، فالفنان عليه أن يتمتع بالأصالة والمرونة والثقافة الفنية العميقة وأن يتعرف بدقة إمكانياته الفكرية والتشكيلية وأن يعي عملية البدء وعملية التوقف فليس هناك عملية إبداع في حالة غيبوبة، أما اللوحة فهي مزيج من حلم وفكر وهناك دور المتلقي الذي يجب أن يكون متمتعا بالثقافة التشكيلية الجيدة والحس الجمالي الرهيف.

ما هي القيمة الجمالية والمعرفية والتغييرية للفن؟
أن نقول (الفن) فكأننا نقول الوجود، كذلك نختصر في تكثيف شديد كوننا هذا الذي يتسامى أبعد من التخيل والإدراك، ويتعالى بأرفع من الفضاء، على رحابة المدى وهما وشاهق المجرات خيالاً لا يبلغهما طيفاً مجنحاً له من أسطورة بساط الريح حقيقة ومجازاً ما يجعله يحلم، وله من هذا الحلم طاقة تمثل هذه الأسطورة في تلك القدرة الخلاقة التي هي الإبداع يحملنا جناحان عبر المسافات ولا مسافات بل انخطاف الروح في ومضة التأمل التي تنداح إلى ما لانهاية إن هذا لهو الفن وهذه عظمته يقدم الرؤية والجمال والمعرفة بلغة تشكيلية أكثر من ذلك أن الفن الذي يعكس العلم والفلسفة المعاصرين يقدمهما بلغة تشكيلية أيضاً وهذا هو السبب الرئيس في أن التشكيل قد غدا في أيامنا هذه موضع هذا التقدير المتعاظم لا في التذوق وحده ولا بما هو تزيينات جدارية في صالون النخبة والأثرياء إنما في هذا الدور التأثيري الفعال الذي يمارسه في العقول ليصبح أحد عوامل التغيير الذي يقوم على مهاد من التنوير والتثوير في الأحداث الجارية والمقبلة لعالمنا.

هويدا محمد مصطفى