ثقافةصحيفة البعث

“على سكة الحياة”.. نصوص راوغت التجنيس

أمينة عباس

لم يكن احتفاء المركز الثقافي العربي (أبو رمانة) بصدور كتاب “على سكة الحياة” للكاتب الشاب الدكتور ريدان زهر الدين من خلال ندوة أقامها، مؤخراً، بمشاركة الكاتبين أيمن الحسن ومحمد الحفري وبحضور عدد من الكتاب والأدباء والإعلاميين، إلا رغبة في ضخ دماء جديدة في حياتنا الأدبية، وتشجيع أي بادرة إبداعية تلوح في الأفق والأخذ بيدها إلى بداية الطريق، فإذا كانت الموهبة حقيقية ستستمر وتتطور لتحتلّ مكانة لها في عالم الأدب، وهذا ما انطوت عليه قراءات الحسن والحفري للكتاب، إذ أكد الحسن أن أي كاتب له الحقّ في الإضاءة على جهده، ليتعرّف إليه الجمهور والقرّاء وليتبيّن خطوته الأولى، لذلك قبل دعوة المركز الثقافي لتقديم قراءة انطباعيّة لهذا الكتاب الذي يضمّ ثلاثين مقالة تختلف بموضوعاتها ومقاساتها وأوزانها، لكن المشترك فيها أنها تقوم على الحكمة العميقة وإبداء الرأي الصائب.

ورأى الحسن أن ما جاء في الكتاب هو نوع من أنواع المقالة الأدبيّة، وهو نوع أدبي قديم، بدا جليّاً ميل زهر الدين إليه، لذلك نصحه باختيار نوع أدبي آخر في المستقبل غير المقالة التي تحتضنها الصحافة أكثر من الكتب، خاصةً وقد لمس لديه القدرة على السرد والكتابة الشعرية، موضحاً أن المقالة هي كتابة تعالج فكرة معينة في تحليل موضوعي وتتناول موضوعات جيدة بالنسبة لكاتبها من خلال ملاحظة الحياة وتدبّر ظواهرها وتأمّل معانيها لتُنشَر في صحيفة أو مجلة أو كتاب، كما فعل زهر الدين، مشيراً إلى أن المقالة تُبنى على العقل والتحليل الدقيق الذي يغلب على حرارة العاطفة والوجدان بهدف التحليل والبرهنة أو النقد، وهي عادةً ما تكون غنيّة باللغة وكثافة التفكير وتستعين بالحكم والأمثال السائدة وتكون أدبيّة أكثر كلما كانت مليئة بالحرارة الإنسانيّة وهي تُصَنَّف حسب موضوعها أو فكرتها (سياسيّة، اجتماعية، اقتصادية، فلسفيّة الخ…)، وتُصَنَّف كذلك بحسب أسلوبها إلى ذاتيّة يلجأ فيها الكاتب إلى عرض وجهة نظره الشخصية. وعدّ الحسن أن الكتاب الأول لأي كاتب هو العتبة الأولى وإن تجاوزها يكون قد أحسن فعلاً، وإن بقي فيها فهو مهرول في مكانه، وإن تراجع نقول له: “عليك أن تتمهل قليلاً”.

فلسفة ونظرة

يقدّم الكاتب في هذه النصوص -كما بيّن الكاتب محمد الحفري- تعريفاً للحياة والعمر والأيام والأم والحب، كما يغوص عميقاً فيها مع الإنسان وتطلّعاته ورؤاه، ليقدّم فلسفته ونظرته الممعنة في تفاصيل الحياة، ورأى الحفري أن ما يثير الانتباه في هذه النصوص هو وجود بدايات لبعض الأجناس الأدبيّة -كالقصة في بعض الحالات والخاطرة والحكاية- وقد تمتدّ إلى المقالة بخواتيمها المنمّقة والمزيَّنة بأجمل العبارات، معتقداً أن الكاتب تقصّد ذلك وكأنه يريد لمنتجه أن يبقى مفتوحاً وبعيداً عن التأطير الشكلي، لكن الميزة الأهم في هذه الكتابات برأيه هي الكثافة -وإن كان بالإمكان أن تمتد وتتّسع- لكن الكاتب أوجز فيها محافظاً وحريصاً على قصر أغلبها كدلالة جماليّة لا يستغني عنها، موضحاً أن النصوص راوغت التجنيس، وبقيتْ مفتوحة على جميع الاحتمالات وقابلة للتأويل، وهي تعيدنا إلى الغوص العميق في مكنوناتها الثمينة، حيث يقرّ كاتبها أن: “الأدب بحرٌ بئر لا قرارة له”، وبالعودة إلى عناوين النصوص التي جمعت في هذا الكتاب، رأى الحفري أن القارئ سيدرك أهميتها بمضامينها ومقولاتها، وقد جمع في نصه الأخير “من مأثور الأدب” أقوالاً لمشاهير خلّدهم التاريخ.

العقل حيناً والفؤاد أحياناً أخرى

وكان الكاتب ريدان زهر الدين قد بيّن في بداية الندوة أنه خاطب العقل حيناً والفؤاد أحياناً أخرى في مقالاته التي ضمّها الكتاب، فتحدث عن فلسفته للحياة وسلوكيّاتها من باب أنثروبولوجيا الإنسان والمجتمع، وتجلّى ذلك ملياً في النصوص “كائن الإنسان”، و”على أعتاب الحياة” و”الشباب”، كما استعرض الإنسانَ بحدّ ذاته كفكرة معنويّة لا كوجود مادي فحسب، وقرأ على الحضور مقتطفات منها، ومما جاء تحت عنوان “دمشق فماذا بعد” نختار: “عطر الزمان بك… فمسك ياسمينك في الأرض فواح… دهوراً نزرع الورد: أيُّ شوك نحصده!!؟ لا تقولوا إنه خريف دمشق… إن الخريف يهاب دمشق فلا يمرها… كيف الختام في وصف شآمنا! فسلام لك في الحرب والسلم… دمشق عليك السلام.