الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

الهالكون .. حتماً!

أجل ، هذه الوقفة الوطنية الشدود (طوفان الأقصى)، بكلّ ما فيها من رجولة، وجسارة، وهيبة، وحضور عالمي، وإيمان مطلق بالتاريخ والجغرافية والرواية الفلسطينية العصية على الإمحاء والذوبان والطيّ، وانتباهات من الحذر والفطنة للداني والقاصي، والظاهر والمتواري، والجلي والمستبطن، والخائر والعفي، حتّمت علينا أن نعيد فحص المقولات التي أراد لها عدونا الإسرائيلي أن تقرّ في نفوسنا أخيراً، بعد أن قرّت في نفوس الآخرين من شرق الأرض إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها، وبعد أن مضى زمن طويل من الحيف والظلموت على الفلسطينيين، مقداره 76 سنة وأزيد، خسروا في كلّ يوم من أيامه فلذات الأكباد، وهناءات النفوسوطمأنيناتها، حتى توزّع يومهم ما بين ذهاب وإياب إلى المقابر، وأمكنة العمل، والأحلام.

كان لا بدّ أولاً من فحص عقيدة الإسرائيليين التي تنامت وتطاولت في أحيازها الدينية، والتي تقول قولة واحدة عبّرت عنها المدارس الدينية الإسرائيلية، والأحزاب الدينية الإسرائيلية، وسلوكيات الحقد الاسرائيلية أيضاً، وفحواها أنّ من وصايا الرّب، وصية منح هذه الأرض الفلسطينية للإسرائيليين،هكذا..منحاً بلا سبب، بلا موجب، بلا مؤيدات، بلا ذرائع، وحين تقرأ أدبيات الإسرائيليين الدينية في مصدرها الأول، أيّ وصايا النبي موسى (ع) لا تجد فيها أيّ مستند أو مرجعية، أو دعوة، أو خطاب يشير إلى منح هذه الأرض الفلسطينية لهم كما لو أنها حقّهم المبرأ من أيّ شك أو ريب أو هجس أو سؤال.

وصايا النبي موسى (ع) بادية وجلية وفيها إقناع  ومنطقية متماسكة، وليس فيها عداء أو استعداء، ولا غرور أو صلف، وخالية من كلّ إخافة أو تهديد، مثلما هي خالية من كلّ نزوع وشهوة للقتل، لأنه قتل، وهي في كليتها كلمات عدة، في أسطر عدّة، توازعتها عشرة جوانب، فحواها:*الرب إلهك، لا يكن لك آلهة أخرى أمامه * لا تنطق باسم الرّب إلهك باطلاً * اذكر يوم السبت لتقدّسه *أكرم أباك وأمّك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرّب إلهك * لا تقتل * لا تزنِ * لا تسرق * لا تشهد على قريبك شهادة زور  لا تشته بيت قريبك * لا تشته امرأة قريبك ولا عبده، ولا أمته، ولا ثوره، ولا حماره، ولا شيئاً مما لقريبك؛ هذه هي وصايا النبي موسى (ع)، وليس فيها في حالي الدنيا والآخرة ، والبادي على الأرض، والمضمر في السماء، أي دعوة للاستعلاء، ولا تسمية لأرض أعطاهم الرّب إياها، ولا خطاب فيه تحريض للقتل والاعتداء والنهب والسرقة، ولا أنفاس كراهية للآخر أيّاً كان، ولا استمالة لكلّ السلوكيات الخاطئة، لكن من كتبوا الحكايات والمرويات والأحلام الإسرائيلية هم من سمّى المكان الذي يريدونه، وهم من جعلوا القتل (رغم قول الرّب لا تقتل) منهاجاً لحياتهم وسلوكهم، وهم من وظّفوا (الزنى) رغم تحريمه، ليكون اليد المعوان التي توصلهم إلى ما يرغبون به، أعني لقد حللوا القتل وشجّعوا عليه، وحللوا الزنى وأوصوا به من أجل أن يكون الوسيلة لإدراك الغاية، وكذبوا ، ولفّقوا، وجمّلوا، من أجل الوصول إلى ما يرغبون به ، وسرقوا كلّ عزيز وثمين رغم قولة الرب (لا تسرق)، ليصبحوا أهل ملك، وأهل مكان، وزوّروا، وغيّروا، وانتحلوا، وزيّفوا كيما يكونوا أهل مدونات، وأهل مرجعيات رغم أنّ النبي موسى (ع) نهاهم عن شهادة الزور، مثلما نهاهم عن الشهوات تجاه نساء الآخرين وأملاكهم (البيوت والأراضي)، ولكنهم حيّدوا هذه الوصية ثم قفزوا عنها عندما استحوذوا على بيوت الفلسطينيين ذات العمران المذهل جمالاً، وذات المحتوى التاريخي المحتشد بأسباب النعمة الخالدة.

منذ أزمنة بعيدة ، وهم يدورون حول هذه الوصايا لكي يغيّروها، ويحيّدوها ويجانبوها، حتى أصبحوا منذ عام 1948، وحتى هذه الساعة، كتاباً للشرور، والمقاصد الذميمة، وفي طالعها السرقة والنهب والاستحواذ على كلّ ما يمتلكه الفلسطينيون حتى أحلامهم، ولأنهم لصوص رغم قولة الإله (لا تسرق) هم في حرب متقدة مثل نيران خرافية الاشتعال، وفي تعزيز لقوتهم المهولة، كي لا يفتكّ أصحابُ الحقّ حقوقهم في أراضيهم وبيوتهم وأمانيهم وأحلامهم.

اليوم، ثلث الإسرائيليين، مرجعيتهم هي الحكايات المبثوثة في التلمود، الكتاب الذي يشرح هذه الوصايا العشر شرحاً لا أخلاقية فيه، ولا سلامة طوية، ولا أنفاس إنسانية، ولا روح للقيم التي أوصى بها النبي موسى (ع) ، وإنما هي شروح كتبها الكهنة والأحبار لكي تكون السند لهشاشة الضعف التي جبلوا عليها، هذا الثلث العددي للإسرائيليين، يضاف إليه قولات العنصريين الصهاينة، كلّه يشكّل مرجعية الإسرائيليين اليوم تجاه الدنيا والآخرة، وهو في كليته شواذ وخروج على الطبيعة الإنسانية حين يتبنون القتل، وسفك الدماء، وكراهية الآخر، والحث على العدوانية تجاه الانسان في السّلم والحرب في آن، هذه الشروح للحكايات والمرويات الدينية هي فضاء الهلاك الذي يساق إليه الإسرائيليون، وهم بتمام وعيهم، لأنّ ثقافة القوة، والتنكّر للقيم، وكراهية الآخر، وكراهية العمران، ومجانبة القيم، والاستعلاء.. إلخ، كلّها معاول هدم، وفساد للخلق، وشناءة للسلوك، وندم آتٍ لا ريب، طال زمنه أم قصر، والشاهد هو أن كلّ الكيانات التي أقيمت بالقوة، وسطوة الظلم، وحرست بالقوة،.. انفرطت مثل حبّات الخرز حين انقطع خيطُشرّها !

حسن حميد

Hasanhamid55@yahoo.com