دراساتصحيفة البعث

لهذه الأسباب انتصرت روسيا

هيفاء علي

استعرض الجنرال الفرنسي المتقاعد، “دومينيك ديلاوارد” بعض الأسباب المأخوذة من ميزان الإمكانات التي تفسّر لماذا كان انتصار روسيا حتمياً.

السبب الأول هو التركيبة السكانية حيث تذهب الميزة إلى روسيا، البلد الأكثر اكتظاظاً بالسكان في أوروبا ويبلغ عدد سكانها ما يقرب من 150 مليون نسمة، بينما لا يكاد يتجاوز عدد سكان أوكرانيا المتبقين 25 مليون نسمة مع الأخذ بعين الاعتبار الهجرة الاقتصادية والسياسية الضخمة التي ضربت البلاد بشدة منذ عام 2014، وخروج عدد كبير من اللاجئين من الإقليم منذ بدء العملية الخاصة. وفي حرب الاستنزاف، حيث يتم سحق وقود مدافع كييف بقوة نيران تفوق قوّتها بثماني مرات، كان النصر الروسي دون أدنى شك.

والسبب الثاني هو تقديم الدعم الخارجي لكلا الطرفين، حيث يبلغ عدد سكان الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي أقل من مليار نسمة، وغالباً ما كانت حكوماتها منتخبة بشكل سيئ، والأمثلة حاضرة في فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، لدرجة أنها متردّدة في الانخراط بشكل مباشر في الصراع، لعدم وجود دعم شعبي كافٍ للقيام بذلك، فقواتها المسلحة ليست بالحجم، ولا جاهزة، ولا مجهّزة، ولا مدرّبة للانخراط، دون أدنى تحفظ، في حرب شديدة الحدّة ضد روسيا، مع وجود الصين التي تم تصنيفها بالاسم إلى جانب روسيا، باعتبارها خصماً رئيسياً لحلف شمال الأطلسي.

حكومات الناتو هذه متردّدة في المشاركة بشكل مباشر لأنها تخشى نتائج الأحداث الانتخابية المقبلة التي لا تبدو جيدة بالنسبة لها، بل إن بعض الدول الأعضاء في الحلف تظهر اختلافاتها وتنأى بنفسها عن الموقف الرسمي للناتو مثل هنغاريا وسلوفاكيا وحتى تركيا، بعد أن سحقتها الديون التي تفجّرت خلال أزمة كورونا وعواقب العقوبات الاقتصادية المرتدة المطبّقة دون أي فارق بسيط، وتواجه اقتصادات غرب الناتو اليوم صعوبة وغير قادرة على دعم أوكرانيا إلى أجل غير مسمّى.

بالمقابل، عملت روسيا والصين بصبر على نسج شبكة من التحالفات منذ القصف المذل على بلغراد (1999)، الأمر الذي أدّى إلى إنشاء منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2001، ثم مجموعة بريكس في عام 2008. لقد عملتا على تسليح نفسيهما لأكثر من عشرين عاماً، واستعدّتا لمواجهة حتمية مع حلف شمال الأطلسي.

وبفضل الدبلوماسية الفعّالة وشبكات التحالف بينهما، وضعت هاتان الدولتان نفسيهما في موقف يسمح لهما بالإفلات من عواقب العقوبات الغربية، أو حتى الاستفادة منها. وعليه، فإن هذه التحالفات الجديدة (بريكس، منظمة شنغهاي للتعاون) والبلدان القريبة منها هي التي تمتلك اليوم الأغلبية العظمى من موارد الطاقة على كوكب الأرض (الغاز والنفط) والموارد المعدنية. فمعدلات نموّها الاقتصادي أعلى بكثير من معدلات نمو حلف شمال الأطلسي ومجموعة السبع إلى درجة أن هذين الكيانين يتخلفان الآن عن الركب بسبب التعدّدية القطبية في الناتج المحلي الإجمالي/ تعادل القوة الشرائية، كما أن الفجوة آخذة في الاتساع. وتجمع مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، مع أولئك الذين يطمحون إلى الانضمام إليهما، الأغلبية العظمى من سكان الكوكب، وبالتالي فإن الميزة لم تعُد في معسكر حلف شمال الأطلسي.

أما السبب الثالث فهو الاختلاف في المستوى والكاريزما بين قيادتي الناتو – كييف والقيادة الروسية، ففي كل استطلاعات الرأي التي أجريت في روسيا، دون استثناء، بلغت شعبية فلاديمير بوتين حوالي 80%. ولا تزال نسبة تصنيف وزرائها الرئيسيين أعلى من 50%، ذلك أن الشعب الروسي ممتنّ له ويضع ثقته فيه، وخاصة في ظل المواجهة بينه وبين حلف شمال الأطلسي اليوم. بالمقابل في غرب حلف شمال الأطلسي، لا يتمتع رؤساء الدول أو الحكومات بثقة ناخبيهم، أو لم يعودوا يتمتعون بها. ففي الولايات المتحدة، تشير جميع استطلاعات الرأي التي أجريت إلى أن حوالي ثلثي الأمريكيين يعتقدون أن بلادهم تسير في الاتجاه الخاطئ، وأن معدل تأييد الرئيس بايدن منخفض تاريخياً (40%) لرئيس منتهية ولايته قبل عشرة أشهر من الانتخابات الرئاسية الجديدة.

وفي ألمانيا، يواجه أولاف شولتز وائتلافه حالة سقوط حرّ، وفي فرنسا، لا يحظى ماكرون وائتلافه الحكومي سوى بدعم جزء صغير من السكان، 10% من الناخبين المسجلين في الانتخابات الأوروبية لعام 2019.  وفي سياق الأزمة الصحية والأزمة الأوكرانية، لم يصوّت 80٪ من الناخبين المسجلين لمصلحة الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون. ومن حيث الكفاءة والكاريزما، لا توجد مقارنة بين الرؤساء التنفيذيين بايدن وشولتز وماكرون وبوتين، حيث إن كفاءة وخبرة المسؤولين التنفيذيين تشكّل إلى حد بعيد نقاط القوة التي تتمتع بها روسيا، لجهة أنه لا يمكن كسب الحروب مع القادة المسنين والفرق الحكومية العديمة الخبرة.

أما السبب الرابع فهو حرب المعلومات، فمنذ الأيام الأولى للعملية الخاصة، احتشدت وسائل الإعلام الغربية لمحاولة إقناع الرأي العام العالمي بالوقوف إلى جانب أوكرانيا وعزل روسيا. وقد حققت ذلك في أغلبية دول الناتو الغربية من خلال حظر الصحافة الروسية، مثل آر تي وسبوتنيك، لكنها فشلت في كل مكان آخر تقريباً، وقد لعبت التحالفات التي تشكّلت بصبر منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين دوراً منقذاً لروسيا، حيث جاءت الصحافة الصينية والهندية والبرازيلية والإفريقية والعديد من الصحف الأخرى لدعم الصحافة الروسية ودعم روايتها.

ورفض العديد من الدول تطبيق العقوبات على روسيا، وبالتالي عزّزت قدرتها الاقتصادية على الصمود، بل إن إفريقيا، نأت بنفسها عن غرب حلف شمال الأطلسي. وبالتالي، من الواضح أن الغرب لم ينتصر في حرب المعلومات إلا في حلف شمال الأطلسي، لكنه خسرها في كل مكان آخر تقريباً، كما أن موقف الدعم القوي للكيان المحتل في الإبادة الجماعية المستمرة في فلسطين قد أدّى إلى تشويه سمعة وسائل الإعلام الغربية لحلف شمال الأطلسي، التي تستحق أكثر من أي وقت مضى لقب إمبراطورية الأكاذيب.

السبب الخامس والأخير يكمن أيضاً في تفوّقها الجوي الكامل وتفوّقها في نيران المدفعية بنسبة ثمانية إلى واحد، بالإضافة إلى قدرة قواتها على التكيف والحرص الدائم على الحدّ من الخسائر. لقد انتصرت روسيا وستخلق، في الوقت الذي تختاره، الوضع الذي يسمح لها بفرض توقيع اتفاق السلام بشروطها، ولذلك يمكن أن تستمر العمليات عدة أشهر أخرى، حسب الجنرال.